جلستُ أستذكر شريط الذكريات من عمري الذي تعدى السبعين عامًا ، حيث تُعيدني الذكريات إلى أيام والدتي - رحمها الله - وإلى قصصٍ وأحداثٍ تكاد تكون خيالية عن نساء قرانا وبلداتنا .
نساءٌ وقفن إلى جانب أزواجهن وأبنائهن بمواقف شرف وعزة وعطاء ، عكست شيم النشميات في بلدنا ، رغم شحّ الموارد وضيق الحال ، وكثرة المسؤوليات ، وغياب التعليم .
مواقف تتجاوز قدرات الكثير من الرجال ، وتحتاج لمجلدات كثيرة للإحاطة بها .
اليوم أروي لكم قصةً واقعية من قصص البطولة الحقيقيّة. ليست عن الخنساء ولا خولة ، بل عن نساء في بلدة المزار الشمالي ؛ البلدة التي تميزت بابتسامتها الرقيقة ، ونكاتها الجميلة ؛ المقترنة بفولاذية رجالها وبطولاتهم. في تلك الأيام من ستينات القرن الماضي ، كانت طلقة خرطوشٍ أصابت شابًا بالخطأ من أحد أصدقائه وأبناء عمومته أثناء خروجهم للصيد ، مما أثار نزاعًا بين رجال العشيرة ؛ حيث انقسموا بين مهاجم ومدافع ، ولم يكن لديهم من سلاح سوى الحجارة ؛ تلك الحجارة التي تميزوا بقوة رميها ودقة إصابتها ، إذ كان معظمهم رعاةً . وفي غياب قوى الأمن وكون عشيرة واحدة نشكل اكثرية سكان البلدة ، استمر النزاع حتى بلغت الأمور ذروتها والخساىر فوق احتمالها،
عندها، نهضت نساء الطرفين بشجاعةٍ لا تقل عن شجاعة أبطال الحروب ؛ هبّت حرائر المزار بفزعةٍ بطولية ،
لم تكن الفزعة بتقديم الحجارة للمتحاربين من الإخوة وأبناء العمومة ، بل كانت فزعةً في الصلح وإنهاء الخلاف وإحلال السلام ؛ حيث دخلن بين المتقاتلين ، مهددات المتقاتلين بالتوقف عن القتال أو سيخلعن الحجاب وسينثرن التراب على رؤوسهن إذا لم يتوقفوا عن القتال . وكان لهن ما أردن .
ويبقى السؤال الواضح : أين مواقف رجالنا ونسائنا في هذه الأيام ، مقارنةً بتلك المواقف البطولية للأمهات والجدات الأميات؟ رحمهن الله وأسكنهن فسيح جناته.