منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، أصبحت سوريا ساحة لصراعات سياسية وعسكرية، لكن خلف هذا الصخب، يبرز جانب آخر لا يقل أهمية عن الحلول السياسية والعسكرية، وهو الوجهة القانونية في ظل الحكومة الانتقالية السورية. القانون والعدالة هما العمود الفقري لأي انتقال سياسي ناجح، لكن في الحالة السورية، يواجه هذا المسار تحديات غير مسبوقة نتيجة التعقيدات المحلية والدولية.
وان الحكومة الانتقالية السورية، التي تشكلت كجزء من الجهود الدولية لإنهاء النزاع السوري، تعاني من ضعف المؤسسات القانونية والسياسية التي تدعمها. ويُلاحظ أن غياب سلطة مركزية فعّالة أدى إلى فراغ قانوني في العديد من المناطق السورية، مما خلق بيئة فوضوية تفتقر إلى تطبيق العدالة وسيادة القانون ، ولا سيما أن وزير العدل غير مُختص في الشأن القانوني حتى على الصعيد الدولي السوري
وأن ازدواجية القضاء السلك القضائي في المناطق السورية المختلفة تخضع لأنظمة قانونية متباينة، بين مناطق تحت سيطرة النظام السوري، وأخرى تحت سيطرة المعارضة أو القوى الكردية. هذا التعدد في الأنظمة القانونية يخلق تضاربًا في تطبيق القانون، ويعيق التوجه نحو وحدة قانونية.
وناهيك عن مساءلة الجرائم والانتهاكات: شهدت سوريا منذ بداية النزاع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، من اعتقالات تعسفية، وجرائم حرب، إلى تهجير قسري. الحكومة الانتقالية تواجه صعوبة في بناء آلية قانونية تُعنى بمساءلة المسؤولين عن هذه الانتهاكات، نظرًا لضعف الدعم الدولي وتشتت المعارضة.
ولا سيما أن إعادة بناء النظام القضائي الذي كان قائمًا قبل النزاع يعاني من انهيار كامل. إعادة بناء هذا النظام تتطلب جهودًا مكثفة لإعادة تدريب القضاة، واستقلالية المحاكم، ووضع أطر قانونية تُعزز الحوكمة القانونية الرشيدة.
على الرغم من التحديات، هناك فرص لتأسيس نظام قانوني أكثر عدلاً في سوريا المستقبل:
العدالة الانتقالية:
تعد العدالة الانتقالية أداة محورية في تحقيق المصالحة الوطنية. من خلال إنشاء لجان للحقيقة والمصالحة ومحاكم مختصة بجرائم الحرب، يمكن للحكومة الانتقالية وضع الأساس لمستقبل قائم على احترام القانون.
التعاون الدولي: دعم المجتمع الدولي، من خلال منظمات مثل الأمم المتحدة والمحاكم الدولية، يمكن أن يُعزز المساءلة عن الجرائم ويعيد الثقة في نظام العدالة.
وضع دستور جديد: صياغة دستور جديد يمثل خطوة محورية في بناء سوريا الجديدة. يجب أن يضمن هذا الدستور استقلالية القضاء، وحماية حقوق الإنسان، والمساواة أمام القانون.
دور القانون في تحقيق الاستقرار
القانون لا يقتصر دوره على تنظيم الحياة اليومية، بل يُعتبر أداة أساسية لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي. في الحالة السورية، يجب أن يكون القانون وسيلة لتحقيق العدالة وتعزيز الثقة بين مختلف مكونات المجتمع. نجاح الحكومة الانتقالية يعتمد إلى حد كبير على قدرتها في بناء نظام قانوني يعكس تطلعات الشعب السوري للحرية والعدالة.
إذاً ، في ظل الحكومة الانتقالية السورية، يبقى بناء نظام قانوني عادل وشامل تحديًا هائلًا، لكنه أيضًا فرصة لا تُعوض لإعادة صياغة العقد الاجتماعي في سوريا. العدالة القانونية ليست مجرد مطلب شعبي، بل هي ركيزة أساسية لأي مستقبل مستدام. بين العقبات والفرص، يظل السؤال: هل ستتمكن سوريا من تحويل القانون إلى جسر نحو المصالحة والبناء؟ الإجابة تعتمد على الإرادة السياسية والتعاون الدولي في إعادة إحياء روح العدالة داخل هذا البلد الجريح .