في مثل هذا اليوم من التاريخ، لا نُحيي ذكرى تأسيس جهازٍ أمني فحسب، بل نُجدّد عهدًا طويلًا من الكرامة والتضحية، نفتح فيه صفحات مجدٍ سُطّرت بأسماء رجالٍ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فكانوا للأمن العام عنوانًا، وللوطن حُماةً، وللعزة رجالًا لا يلينون.
إن تأسيس الأمن العام لم يكن وليد لحظة عابرة أو إجراء تنظيمي، بل كان ثمرة حاجة وطنية ملحة، ورؤية شاملة لبناء دولة القانون والنظام، الدولة التي يكون فيها الإنسان في مقدمة الاهتمام، والكرامة فوق كل اعتبار، والسلامة العامة مسؤولية مقدسة لا تقبل التهاون.
منذ انطلاقه، حمل هذا الجهاز رسالة سامية، تتجاوز المهام اليومية، لتصل إلى أعماق المجتمع، تُلامس همومه، وتُطمئن قلبه، وتبني جسور الثقة بين المواطن والدولة. فالأمن لم يكن يومًا مجرد شعور عابر، بل هو نِعمة تُصان بسهر العيون، وتُبنى بتضحيات لا تُقدّر بثمن.
رجال الأمن العام هم أول من يُبادرون في الأزمات، وهم أول من يتقدّمون الصفوف إذا ما استدعى الموقف. يعملون بصمت، ويبذلون بلا ضجيج، وينصرفون دون أن ينتظروا تصفيقًا أو شكرًا. في عزّ البرد، وتحت حرارة الشمس، في زحام المدن، وفي وعورة الصحارى... كانوا هناك، ولا يزالون، لا يبحثون عن مجدٍ شخصي، بل عن وطنٍ آمنٍ للجميع.
وما أجمل أن نستذكر في هذا اليوم أرواح الشهداء الذين رحلوا وهم يؤدّون واجبهم بكل شرف. أولئك الذين نزفوا دماءهم ليبقى الوطن صامدًا، مرفوع الرأس. نترحّم عليهم، ونُقسم أن تبقى ذكراهم حيّة في ضمير هذا الشعب، وأن تبقى رسالتهم منارةً لكل من يرتدي هذا الزي الشريف.
كما لا ننسى الجهود الجبّارة التي تبذلها قيادات الأمن العام، من تطوير وتحديث، ومن دمج الكفاءة بالتكنولوجيا، ومن السعي الدائم إلى تقديم الأفضل في خدمة المواطن، دون أن يفقدوا الروح الأصيلة: أن يكونوا قريبين من الناس، جزءًا منهم، وملجأهم في كل وقت.
إن الأمن العام ليس شعارًا يُكتب، بل هو تاريخ يُحكى، وواقع يُعاش، ومستقبل نُراهن عليه. وفي كل عام، تتجدّد الذكرى، لا لنُعدد الإنجازات فحسب، بل لنُعمّق الإيمان بدورهم، ولنُحيي فينا قيمة الانتماء لهذا الوطن الذي ما خذل يومًا أبناءه، ولا خذله أبناؤه.
كل التحية لمن خدم ويخدم، ولمن بذل ولمن استمر، فأنتم أماننا بعد الله، وسندنا في وقت الشدة، وأنتم من اختار أن يكون على ثغور الوطن، لا يغفل ولا ينام.
دام الوطن عزيزًا، ودام الأمن العام منارة عزّ وفخر، ودامت رايته خفاقة في سماء المجد.