تُمثل الجولات الملكية المستمرة إلى محافظات المملكة، وفي القلب منها زيارة محافظة الكرك، أكثر من مجرد تواصل تقليدي؛ إنها تفعيلٌ لمبدأ الحكم الرشيد وبلورةٌ لآليات الحوكمة التشاركية التي تنص عليها الأوراق النقاشية والرؤى الملكية للإصلاح. إن القيادة الهاشمية، بإصرارها على الوصول المباشر إلى الميدان، تُرسي دعائم اللامركزية الإجرائية، وتؤكد على أن التنمية ليست مشروعًا مركزيًا، بل عملية متكاملة تبدأ من القواعد المجتمعية في كل محافظة.
إن زيارة جلالة الملك إلى محافظة الكرك، هي حلقة في سلسلة من الجولات الملكية المستمرة التي تؤكد على التوزيع العادل لمكتسبات التنمية، وتُرسخ مبدأ اللامركزية الفاعلة في صناعة القرار وتنفيذ المشاريع. هذه الجولات لا تمثل مجرد حضور وجداني، بل هي آلية عمل مؤسسية تهدف إلى المتابعة الميدانية والاطلاع المباشر على سير الإنجازات والتحديات في مختلف الأقاليم.
تُشكل هذه اللقاءات منصة شفافة وصريحة لتبادل وجهات النظر بين القيادة ومختلف مكونات المجتمع، حيث يضع جلالته الأردنيين في صورة التحديات والفرص الراهنة، بما يُعزز الشراكة الوطنية في تحمل المسؤولية وصياغة المستقبل. هذا النهج يبعث رسالة واضحة بضرورة تفعيل الطاقات الوطنية وتحويل الإحباط إلى حراك إنتاجي يواكب متطلبات الرؤى الاقتصادية والسياسية للدولة.
إن الزيارات الملكية السامية هي بمثابة خارطة طريق تنفيذية، تُطلق المشاريع الكبرى وتضع الأسس لبرامج تنموية مستدامة. وهي تؤكد على أن قيمة العرش الهاشمي تكمن في متانته الدستورية، ومرتكزاته على الرعاية الحقيقية للمصلحة الوطنية العليا، وضمان حقوق المواطنين في التنمية والعدالة الاجتماعية.
إن الأردن، في محيط إقليمي ودولي مُتغير، يتميز بنعمة الاستقرار المؤسسي، وهو استقرار لا يعتمد على قوة السلطة فقط، بل يستمد قوته من عمق العلاقة التعاقدية بين القائد والشعب، ومن وجود قيادة حكيمة تنظر إلى المواطنين كشركاء أساسيين في بناء الدولة الحديثة.
فالكرك اليوم، وكباقي المحافظات، تستقبل القيادة لتجديد العهد على المضي قدماً في تنفيذ استراتيجيات التحديث الشامل، السياسية والاقتصادية والإدارية. هذا هو الأردن الذي نسعى إليه: دولة مؤسسات قوية، يقودها ملك ملتزم بتعزيز دبلوماسيتها النشطة، وحماية أمنها القومي، وتحقيق الرخاء لشعبه.
تُعد الكرك، بتاريخها السياسي وعمقها الاجتماعي، حجر الزاوية في منظومة الأمن الاجتماعي والسياسي للمملكة. إن التوجيهات الملكية التي تُركز على تعزيز الاستثمار في الجنوب وتمكين المجالس المحلية (في إطار قانون الإدارة المحلية)، تضع المحافظة في موقع الشريك الاستراتيجي ضمن رؤية التحديث الاقتصادي. فالمشاريع التي يتم إطلاقها وتفقدها في المحافظة ليست مجرد خدمات، بل هي مُمكنات اقتصادية لزيادة الإنتاجية وخلق فرص عمل مستدامة، بما يضمن دمج شباب المحافظة في المسار الوطني للإنتاجية والريادة.
إن خلاصة الخطاب الملكي من الكرك هو ترسيخ لـ عقد اجتماعي مُتجدد قوامه المصارحة والعمل المشترك. إن القيادة تعمل على تفكيك التحديات الهيكلية (الاقتصادية والإدارية) من خلال منهجية التخطيط الاستراتيجي القائم على الأدوار التخصصية للمحافظات. هذا هو المسار الذي يضمن أن يظل الأردن، بقيادته وشعبه، نموذجاً لـ الاستقرار الفاعل، القادر على صيانة مصالحه الوطنية العليا ومواصلة دوره الدبلوماسي المحوري في القضايا الإقليمية.
حمى الله الأردن، وأدام عزه في ظل قيادته الهاشمية...