حوار مجتمعي في ديوان العودات يدعو إلى ترشيد العادات الاجتماعية
المكلفة وتعزيز قيم التكافل والبساطة
نيروز – من محمد محسن عبيدات
بدعوة من رجل الأعمال الدكتور عامر العودات، رئيس بلدية السرو
الأسبق، عُقدت في ديوان عشيرة العودات بقرية حاتم جلسة حوارية حملت عنوان "العادات
والتقاليد المكلفة على المواطن في الأعراس والعزاء وغيرها”، وذلك بمشاركة عدد من الوجهاء
والأكاديميين والشباب، بهدف فتح حوار وطني صريح ومسؤول حول الممارسات الاجتماعية التي
باتت تُرهق المواطن ماديًا ومعنويًا، والسعي نحو ترسيخ ثقافة التيسير والبساطة والتكافل
في المجتمع الأردني.
استهل الدكتور عامر العودات اللقاء بكلمة ترحيبية بالحضور،
مؤكدًا أن الهدف من هذه المبادرة هو دعم الجهود الوطنية التي أطلقها وزير الداخلية
للحد من العادات الاجتماعية المبالغ فيها، وتخفيف الأعباء عن المواطنين، وخاصة في ظل
الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الناس.
وقال العودات في كلمته: "الحمد لله الذي جعل في التراحم
والتعاون صلةً بين الناس، ونهانا عن الإسراف والتباهي في أمور الحياة، والصلاة والسلام
على سيدنا محمد القائل: «كلوا واشربوا ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين»."
وأضاف:"نقف اليوم لنتحدث بصدق عن ظاهرة باتت تؤرق الجميع…
عن التكاليف الزائدة في مناسباتنا الاجتماعية، سواء كانت أفراحًا أو عزاءً أو جاهات
أو ولائم. صرنا نرى المظاهر تطغى على القيم، وكأن الغاية أصبحت التفاخر لا التراحم.
الكرم الحقيقي ليس في كثرة الطعام أو طول الموكب، بل في النية الصادقة والموقف النبيل."
وأكد العودات أن كثيرًا من الشباب اليوم يعزفون عن الزواج
بسبب الغلاء وتكاليف المناسبات، مما يستدعي وقفة جماعية من مختلف فئات المجتمع لوضع
عرف اجتماعي جديد يقوم على التيسير والاعتدال، ويُعيد للعادات الأردنية أصالتها وجوهرها
الإنساني.
وختم بقوله: "ليكن شعارنا: العادات باقية… لكن بتكاليف
معقولة. نريد أن نحافظ على قيمنا، لا أن نُرهق بها الناس. نكرم الناس بالنوايا الطيبة
لا بالنفقات الباهظة."
توالت بعد ذلك كلمات المشاركين الذين عبّروا عن دعمهم للمبادرة،
مؤكدين أنها خطوة جريئة وضرورية في وقت أصبح فيه الإسراف في المناسبات ظاهرة تحتاج
إلى مراجعة شاملة.
الحاج عبدالله عبدالمجيد المقدادي تحدث عن التحديات التي
تواجه أي مبادرة مجتمعية في بداياتها، مؤكدًا أن التغيير يحتاج إلى وعي وصبر وتعاون
من الجميع، وأضاف: "الالتزام بعاداتنا الأصيلة لا يعني المبالغة فيها، بل الحفاظ
على جوهرها الشريف القائم على الاحترام والتراحم. هناك شخصيات مجتمعية كثيرة بادرت
إلى تقليص مظاهر التبذير، وأعادت الأمور إلى نصابها، وهذا ما يجب أن يُعمّم."
أما السيد محمد حسين المقدادي، فقد أكد في مداخلته أهمية
المبادرة في ظل الأوضاع المعيشية الحالية وارتفاع الأسعار، وقال: "هذه المبادرة
تأتي في وقتها تمامًا، فالكثير من الأسر أصبحت تعاني بسبب التكاليف الاجتماعية غير
المبررة، ومن واجبنا جميعًا أن نُسهم في نشر ثقافة الوعي والاعتدال. التباهي بالمظاهر
لا يصنع مكانة، بل يزيد الفوارق ويضعف روح التكافل."
بدوره، شدد الشيخ محمد رزق العودات على ضرورة مراجعة بعض
الممارسات في المناسبات الاجتماعية وخاصة في العزاء، قائلاً: "من الجميل أن نواسي
بعضنا، لكن ليس من الحكمة أن نُحمّل أهل المتوفى أعباءً إضافية. من الأولى أن نختصر
أيام العزاء إلى يوم واحد فقط، وأن نقلل من الولائم والنفقات التي لا مبرر لها، فالمقصد
من العزاء هو المواساة، لا المظاهر."
في حين عبّر الشاب حمزة أمين العودات عن وجهة نظر الشباب
تجاه هذه القضية، معتبرًا أن كثيرًا من العادات لم تعد تتناسب مع الواقع الاقتصادي
والاجتماعي المعاصر، قائلاً: "جيلنا اليوم يعاني من ضغوط مالية كبيرة، وبعض العادات
أصبحت عبئًا حقيقيًا على الشباب المقبلين على الزواج. نحن مع الحفاظ على التراث والعادات،
لكن نريدها أن تكون بسيطة ومعقولة، بعيدة عن المظاهر والمجاملات.
وخلال اللقاء، تم الاتفاق على مجموعة من التوصيات الأولية
غير الملزمة، التي سيتم تعميمها لاحقًا على المواطنين والمؤسسات المحلية والوجهاء للتوقيع
عليها ودعم تنفيذها. و أجمع الحضور في نهاية الجلسة على أهمية استمرار مثل هذه الحوارات
المجتمعية لتصحيح المسار وتعزيز ثقافة الوعي والمسؤولية الاجتماعية، مؤكدين أن المجتمع
الأردني بقيمه وأصالته قادر على التغيير الإيجابي إذا ما توافرت الإرادة والتعاون.
وفي ختام اللقاء، قدّم الدكتور عامر العودات الشكر لكل من
شارك في الحوار، داعيًا إلى عقد جلسات متابعة في مناطق أخرى من لواء بني كنانة لتوسيع
دائرة النقاش وإشراك مختلف الفئات، وصولًا إلى رؤية اجتماعية وطنية تُعيد التوازن للعادات
والتقاليد وتُرسّخ ثقافة التكافل والبساطة.