في كل يوم نفتح هواتفنا على "ترند” جديد… أغنية، رقصة، أسلوب حديث، أو حتى فكرة سلوكية عابرة تتحول إلى موجة تجتاح الجميع!
لكن كأخصائية نفسية، أرى خلف هذا السلوك ظاهرة أعمق من مجرد تقليد: إنها حاجة الإنسان إلى الانتماء والاعتراف.
من الناحية النفسية، الإنسان مبرمج منذ طفولته على البحث عن القبول. في الطفولة نسعى لرضا الوالدين، وفي المراهقة نلهث خلف إعجاب الأصدقاء، وفي العالم الرقمي نبحث عن "الإعجابات” والمتابعين. هذه الحاجة إذا لم تُشبَع بشكل صحي، تتحول إلى سلوك تقليدي قهري، حيث نفعل ما يفعله الآخرون حتى لو لم نقتنع به، فقط لنشعر أننا "داخل الدائرة”.
الترند يمنحنا شعوراً مؤقتاً بالانتماء، لكن على المدى الطويل قد يخلق تبلّد هوية، فنصبح نسخة باهتة من الآخرين. هنا تظهر ما يُعرف في علم النفس الاجتماعي بـ "تأثير القطيع” (Herd Effect)، وهي ظاهرة تجعل الأفراد يتبنّون السلوك الجماعي خوفاً من العزلة أو الرفض.
وفي علم النفس العصبي، هناك تفسير آخر: عندما نشارك في الترند، يفرز الدماغ الدوبامين – هرمون المكافأة – فنشعر بالنشوة اللحظية، ما يجعلنا نكرر السلوك مرات عديدة كنوع من الإدمان الاجتماعي.
لكن المشكلة تبدأ حين نفقد القدرة على التمييز بين "أنا الحقيقي” و”أنا المتأثر بالترند”. فبدلاً من أن نقود التيار، نصبح جزءاً من موجة تُسيرنا دون وعي. ومع الوقت، يضعف التفكير النقدي، وتزداد هشاشتنا النفسية أمام أي ظاهرة رائجة.
💡 من وجهة نظر علاجية:
الوعي هو الخطوة الأولى للتحرر من سلوك التقليد الجمعي.
قبل أن تندمج في أي ترند، اسأل نفسك:
هل هذا السلوك يعبر عني فعلاً؟
هل أفعله لقناعتي أم لأني أحتاج أن أشعر بالانتماء؟
الجواب الصادق على هذه الأسئلة يعيدك إلى جوهر ذاتك، ويمنحك قوة أن تكون أنت… لا نسخة مكرّرة من الآخرين.
وفي النهاية، العالم لا يحتاج المزيد من النسخ، بل يحتاج من يجرؤ أن يكون الأصل