القاهرة – في بيانه التاريخي الذي يُعد وثيقة استراتيجية في لحظة مصيرية، يؤكد نبيل أبوالياسين – الحقوقي والمحلل السياسي البارز والباحث في الشأن العربي والدولي – لـ"نيروز" أن ما يجري في السودان قد تجاوز وصف "الحرب الأهلية" إلى كونه عدواناً ممنهجاً تُشنه شبكة دولية توصف بـ "المافيا الدولية"، تهدف إلى تقطيع أوصال الدولة الوطنية السودانية وتحويلها إلى ساحة فوضى دائمة، تشكل تهديداً وجودياً للأمن القومي المصري في صميمه.
ويُحذّر أبوالياسين في بيانه من أن مرحلة "إدارة الأزمات" قد انقضت بلا رجعة، وأن الساعة الآن تدق لبدء مرحلة "حسم التهديدات"، وذلك عبر التفعيل الفوري والعملي لاتفاقية الدفاع المشترك بين القاهرة والخرطوم. ويُشدد على أن هذا الإجراء ليس خياراً بين عدة خيارات، بل هو ضرورة سيادية وقانونية قصوى لسد كل الثغرات أمام "البلطجة السياسية" التي تمارسها قوى مارقة تتاجر بدماء الشعوب.
لحظة التحول التاريخي: من دبلوماسية الصبر إلى لغة الردع
يُوضح أبوالياسين لـ"نيروز" أن اللقاء الاستثنائي بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والفريق أول عبد الفتاح البرهان يمثل تحولاً جوهرياً في العقيدة الأمنية المصرية والعربية. فهذه القمة، التي تأتي في وقت تتربص فيه قوى الظلام بمستقبل المنطقة، ليست اجتماعاً دبلوماسياً تقليدياً، بل هي "إعلان حالة" سياسية وعسكرية جديدة. ويُشير المحلل البارز إلى أن التلويح بتفعيل اتفاقية الدفاع المشترك يمثل نقلة نوعية من منطق الوساطة والاحتواء إلى منطق الردع الاستراتيجي والحماية الفعلية، حاملة رسالة لا لبس فيها بأن سيادة السودان وأمن شعبه خطان أحمران يمثلان امتداداً طبيعياً لكيان مصر وسلامتها.
ويُحلل أبوالياسين لـ"نيروز" المشهد قائلاً: "لقد اكتشفت القاهرة، بعد عامين من الصبر الاستراتيجي والدبلوماسية النشطة، أن اليد الممتدة من أجل السلام وُوجهت بمحاولات متكررة لطعنها في ظهرها. ما يحدث اليوم هو رد طبيعي على منطق القوة الذي يفهمه العالم ولا يحترم سواه".
تفعيل الاتفاقية: الرد الاستراتيجي الذي ينتظره التاريخ
في تحليله العميق، يُفصّل أبوالياسين دلالات قرار تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك الموقعة عام 1976. ويُؤكد أنه لم يعد مجرد وثيقة قانونية في الأرشيف، بل تحول إلى "خارطة طريق للعمل". ويُلفت إلى أن هذا القرار يعبر عن فهم مصري استراتيجي متقدم، يرى الأمن القومي كنسيج مترابط تتداخل خيوطه من منابع النيل في قلب أفريقيا إلى ضفاف البحر الأحمر.
ويوضح في هذا الصدد: لـ"نيروز" أن الأمر ليس مجرد دعم لجار، بل هو دفاع عن مفهوم 'الدولة الوطنية' في مواجهة مشروع 'الدولة الفاشلة' الذي تروج له المافيا الدولية. حماية الخرطوم هي حماية لمفهوم السيادة ذاته، وهو الدرع الذي يحمي القاهرة من أن تكون التالية في قائمة الأهداف.
كشف الأقنعة: تشريح جريمة دولية منظمة
يكشف البيان النقاب عن الآلية التي تعمل بها ما يسمى بـ "المافيا الدولية"، مُحللاً أدواتها التي تجمع بين تمويل الميليشيات، وتجارة السلاح غير المشروع، وحرب التضليل الإعلامي الممنهجة. ويُشير أبوالياسين إلى أن هذه الشبكة تستغل ورقة "النزاع الداخلي" كغطاء لتنفيذ أجندة أوسع تهدف إلى إعادة رسم خرائط النفوذ في المنطقة، وتحويل الدول القوية إلى كيانات هشة يسهل ابتلاعها في سوق المصالح العالمية.
ويُؤكد لـ"نيروز" قائلاً: "إن المأساة السودانية ليست صدفة، بل هي نموذج معمل لاختبار مدى قدرة النظام الدولي على حماية سيادة الدول الصغيرة، ومدى استعداد القوى الإقليمية الفاعلة للدفاع عن محيطها الاستراتيجي. الفشل في السودان سيكون ترخيصاً بتكرار الجريمة في كل مكان".
إعادة ترتيب البيت السوداني: شرط النجاح الداخلي
ينتقل أبوالياسين إلى تحليل زيارة البرهان للقاهرة، مؤكداً أنها جاءت في إطار معركة على جبهتين: خارجية لمواجهة العدوان، وداخلية لإعادة بناء مؤسسة الدولة السودانية. ويُشير إلى أن قرارات إحالة الضباط إلى التقاعد التي سبقت الزيارة لم تكن إجراءً عادياً، بل كانت خطوة جراحية ضرورية لتعزيز التماسك الداخلي للجيش السوداني، وقطع الطريق على الولاءات الضيقة والمشبوهة.
ويُحلل هذا التحرك: "مصر لا تدعم أفراداً، بل تدعم مؤسسات. استقبال البرهان في هذه اللحظة هو تأكيد على دعم مسيرة إصلاح المؤسسة العسكرية السودانية لتصبح درعاً للدولة وليس أداة في صراعاتها. هذا استثمار في استقرار شريك المصير والوجود".
خريطة الطريق: الاستراتيجية المصرية الشاملة للردع
يُحدد أبوالياسين في بيانه لـ"نيروز" الاستراتيجية المصرية المتعددة المستويات لمواجهة هذا التحدي، موضحاً أنها تقوم على أربعة أركان رئيسية:
1. الردع العسكري المباشر: من خلال التفعيل العملي للاتفاقية، وتحويل التلويح إلى وجود ميداني وتنسيق استخباراتي فعّال لوقف نزيف الدم.
2. الدبلوماسية الهجومية: عبر فضح أدوار ومصادر تمويل ودعم قوى الفوضى في كل المحافل الدولية، وبناء تحالفات عربية وأفريقية رافضة لأي وصاية أجنبية.
3. معركة الوعي والإعلام: بكشف حقيقة الشبكات الدولية وإزالة الأقنعة عن خطابها المزيف، واستعادة السردية التي تضع الحقائق في نصابها.
4. حماية المكاسب الاستراتيجية: مع التأكيد الحاسم أن وحدة التراب السوداني وأمنه المائي هما خط أحمر يمثل حجر الأساس للأمن القومي المصري والعربي.
ويُعلق على هذه الاستراتيجية: "مصر تنتقل من دور الحكيم الذي ينصح، إلى دور الحارس الذي يحمي. هذه الاستراتيجية المتكاملة تهدف إلى نزع الشرعية عن المشروع التخريبي برمته، وليس مجرد ردع عسكري مؤقت".
بيان السيادة.. نهاية عصر الابتزاز
يُنهي نبيل أبوالياسين بيانه التاريخي لـ"نيروز" بتأكيدات حاسمة، قائلاً: "اليوم، وعلى أرض الكنانة، يُعلن انتهاء عصر الصمت العربي الطويل، وبداية عصر السيادة الحقيقية. قمة 'الفصل' بين مصر والسودان هي أكثر من لقاء قادة، بل هي 'وثيقة ميلاد' جديدة للإرادة العربية".
ويُختم أبوالياسين: "رسالتي إلى العالم واضحة: لقد سقطت ورقة التوت عن نظام دولي فاسد يسمح بذبح الشعوب تحت مسميات زائفة. وقوف مصر إلى جانب السودان هو دفاع عن فكرة الدولة ذاتها، وهو إنذار نهائي لكل من يحمل سكيناً تحت عباءة الوساطة. السيادة لا تُوهب، ولا تُستجدى، بل تُؤخذ بقوة الحق ووضوح الإرادة. النصر ليس حليف الأقوى دائماً، بل حليف الأكثر إيماناً بعدالة قضيته. والشعوب التي تؤمن بسيادتها، لا تقهر."