ليس دفاعاً عن مدير عام المواصفات والمقاييس السيدة الفاضلة عبير الزهير بقدر ما هو دفاع عن مبدأ دولة القانون والمؤسسات فنحن نؤمن بأن محاسبة المقصّر واجب لا نقاش فيه بل ونطالب في ذلك
والأصل أنه لا أحد فوق القانون وأن المساءلة لا تفرّق بين شريف ووضيع ولا بين غني وفقير.
وهذا قبل أن يكون مطلباً شعبيا وقانونيا وإداريا هو منهج إسلامي راسخ عبّر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:
لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها
وانطلاقاً من هذا المبدأ فإن ما حدث من دخول صوبات إلى السوق المحلي غير صالحة للإستخدام المنزلي لسوء مصنعيتها وتدور حولها شبهة فساد وأدّى ذلك إلى وفاة أبرياء لا يمكن تجاوزه أو التعامل معه بطريقة انفعالية وردة فعل غير مدروسة والخطأ إن وُجد لا بد أن يُسمّى باسمه ولا بد أن تتحمل جهة ما تبعاته.
والعدالة لا تُبنى على هكذا قرارت شكلية متسرعة ولا تُدار بالضغوط الشعبية وإنما تقوم على التحقيق المهني والتقارير الفنية الواضحة.
المطلوب في مثل هذه القضايا الحساسة ليس قراراً إدارياً سريعاً بل تقريراً شاملاً تشارك فيه جميع الجهات المعنية يبيّن بوضوح أوجه القصور ومسار الخطأ والجهة أو الجهات التي أخفقت في أداء واجبها.
فإذا ثبت أن التقصير يعود إلى مدير عام المواصفات والمقاييس فإن الحل لا يكون بالإحالة على التقاعد ، لأن التقاعد ليس عقوبة بل هو حق لكل موظف ولا يحقق الردع والعدالة ولكن الحل يكون بالمحاسبة القانونية الصريحة الشفافة النزيهة فهي المسار الصحيح والمنطقي.
أما إذا لم يثبت وجود تقصير مباشر أو مسؤولية واضحة عليها فإن إحالتها على التقاعد في هذا التوقيت وقبل صدور نتائج التحقيق ووسط شارع واعلام مليء بالأقاويل والتحليلات فإنه لا يمكن فهمه إلا باعتباره تضحية بها ككبش فداء في محاولة لامتصاص الغضب العام أو للتغطية على جهات أخرى قد تكون أكثر تأثيراً أو مسؤولية.
والأخطر من ذلك أن هذا القرار يضع سيدة محترمة لها اسمها وموقعها وعرفت بنزاهتها في دائرة الشبهة والاتهام دون سند قانوني ويحوّلها إلى مادة للتداول والهمس وهو ما لا ينسجم مع أبسط قواعد الإنصاف ولا يخدم سمعة المؤسسات ولا يعزز الثقة بالقرار العام.
إن قرار الإحالة على التقاعد في هذا الظرف يبدو قراراً مأزوماً وغير راشد لأنه سبق الحقيقة
ما نحتاجه اليوم ليس قرارات متسرعة بل قرارات صحيحة تستند إلى الوقائع لا وتحترم عقول الناس وتحفظ هيبة الدولة وتؤكد أن المحاسبة في هذا البلد لا تُدار بالعاطفة ولا بالضغط بل بالقانون وحده