كشفت دراسة علمية حديثة أن الفقر لا ينعكس فقط على المستوى المعيشي والصحة النفسية، بل يسهم بشكل مباشر في تسريع شيخوخة القلب ورفع خطر الإصابة بأمراضه في أعمار مبكرة، متجاوزًا تأثير العمر الزمني والعوامل الوراثية وحدها.
وفي هذا الصدد، أوضح الباحث الرئيسي في الدراسة، الدكتور أمير ليرمان، أن التحولات الديموغرافية المتسارعة دفعت فريق البحث إلى التركيز على مؤشرات حيوية تتجاوز العمر المسجل في الهوية، لافتًا إلى أن الفحوصات الطبية الروتينية غالبًا ما تغفل الجوانب المعيشية التي تنحت في جسد المريض بصمت وعلى مدى سنوات.
واعتمد باحثو "مايو كلينك" على قاعدة بيانات طبية ضخمة شملت أكثر من 280 ألف مريض، مستعينين بتقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل تخطيط القلب الكهربائي، بهدف الوصول إلى فهم أعمق للحالة الوظيفية للقلب.
وتمكنت الخوارزميات المتقدمة من رصد ما يُعرف بـ"فجوة العمر القلبي"، وهي الفرق بين العمر الزمني للفرد والعمر البيولوجي الفعلي لقلبه. وأظهرت النتائج أن القلوب التي بدت "أكبر سنًا" من أصحابها تعود في الغالب لأشخاص يعانون من تعثرات مالية أو صعوبات في تأمين الغذاء والاحتياجات الأساسية.
وبيّنت الدراسة أن الذكاء الاصطناعي استطاع التقاط إشارات كهربائية دقيقة في القلب تعجز العين البشرية عن ملاحظتها، ما يعكس تأثير الضغوط الاقتصادية المزمنة على صحة القلب والأوعية الدموية.
ولم تقتصر خطورة هذه المحددات الاجتماعية على إضعاف أنسجة القلب فحسب، بل ارتبطت بشكل طردي بارتفاع معدلات الوفاة، ما يعزز فرضية أن الفقر عامل صحي خطير لا يقل أهمية عن التدخين أو السمنة.
ورغم أن الدراسة أُجريت ضمن بيئة ديموغرافية محددة، إلا أن رسائلها تتجاوز الحدود الجغرافية، مؤكدة أن علاج أمراض القلب لا يبدأ من غرف العمليات وحدها، بل من تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات.
وتضع هذه النتائج صناع القرار الصحي أمام مسؤولية متزايدة، تتمثل في أنسنة الرعاية الطبية وتوسيع نطاق التدخل الوقائي ليشمل الأمن المعيشي والغذائي، باعتباره الركيزة الأولى لحماية نبض المجتمع من تهالك الشيخوخة المبكرة.