حوار في سيرة قائد… الجنرال محمد يحيى الدقامسة قامة وطنية صلبة بحكمة الدولة وعمق العشيرة
نيروز الإخبارية – حوار خاص – محمد محسن عبيدات
يُعد اللواء
الركن المتقاعد محمد يحيى هلال محمد الدقامسة واحدًا من أبرز القامات العسكرية والوطنية
التي تركت بصمات واضحة في مسيرة القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، لا سيما في
مجال الدفاع الجوي، حيث جمع بين الخبرة الميدانية، والرؤية الاستراتيجية، والبعد الإنساني
والاجتماعي في آنٍ واحد.
في هذا
الحوار، نستعرض محطات من سيرته العسكرية والوطنية، ورؤيته للقيادة، ودوره المجتمعي
بعد التقاعد.
بداية،
نود التعريف بكم وبنشأتكم الأولى؟
أنا محمد
يحيى هلال محمد الدقامسة، من مواليد بلدة إبدر عام 1955. تلقيت تعليمي المدرسي في محافظة
إربد، وتخرجت من مدرسة إربد الثانوية للبنين عام 1974، وهو العام نفسه الذي التحقت
فيه بالقوات المسلحة الأردنية، لأبدأ مسيرة امتدت قرابة 39 عامًا في خدمة الوطن.
كيف تصفون
تجربتكم الطويلة في القوات المسلحة الأردنية؟
كانت تجربة
مليئة بالتحديات والمسؤوليات، لكنها في الوقت ذاته تجربة فخر واعتزاز. تنقلت خلالها
في مواقع قيادية وتعليمية وميدانية متعددة، وتعلمت أن العمل العسكري ليس وظيفة فحسب،
بل رسالة تقوم على الانضباط، والإخلاص، والعمل بروح الفريق، ووضع مصلحة الوطن فوق كل
اعتبار.
توليتم
العديد من المناصب العسكرية الرفيعة، ما أبرزها؟ تشرفت
خلال خدمتي بتولي عدد من المناصب، من أبرزها: المفتش
العام للقوات المسلحة الأردنية، قائد كتيبة، ومدير أركان لواء، قائد لواء
دفاع جوي، آمر مدرسة الدفاع الجوي الميداني الملكي، مدير الدفاع
الجوي الميداني الملكي، معلم ورئيس دائرة وآمر كلية القيادة والأركان الملكية الأردنية، رئيس أكاديمية
الملك عبدالله الثاني للدراسات الدفاعية، رئيس هيئة
الموارد الدفاعية، كما شاركت في مهام دولية، من بينها العمل مراقبًا دوليًا، ورئيس دائرة
القوى البشرية في مهمة جورجيا لحفظ السلام، إضافة إلى عملي باحثًا استراتيجيًا في الديوان
الملكي العامر.
وماذا
عن الجانب الأكاديمي والعلمي في مسيرتكم؟
حرصت منذ
البداية على الجمع بين الخبرة الميدانية والتأهيل العلمي، فحصلت على: بكالوريوس
العلوم الإدارية والعسكرية – جامعة مؤتة، ماجستير
علوم إدارية ودراسات استراتيجية – جامعة مؤتة، ماجستير
علوم عسكرية – السودان، ماجستير دراسات استراتيجية – جمهورية مصر العربية، وكان لهذا
التأهيل دور مهم في صياغة رؤيتي القيادية والاستراتيجية.
عرفتم
بقربكم من الجنود وحرصكم على الروح المعنوية، كيف تنظرون إلى مفهوم القيادة؟
أؤمن بأن
القائد الحقيقي هو من يكون في الميدان قبل المكتب، ويشارك جنوده التحديات قبل الإنجازات.
القيادة ليست أوامر فقط، بل قدوة، وثقة، وإنسانية. رفع المعنويات، والاستماع للآخرين،
واحترام الإنسان، هي ركائز أساسية لأي قيادة ناجحة.
لم تقتصر
إسهاماتكم على الجانب العسكري، بل كان لكم حضور اجتماعي وثقافي واضح، كيف تنظرون لهذا
الدور؟
خدمة الوطن لا تتوقف عند حدود الوظيفة. كنت حريصًا على دعم المبادرات الثقافية التي تعزز الهوية الوطنية، والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية، والإسهام في العمل الخيري والإصلاح العشائري، لما لذلك من دور في تعزيز التماسك المجتمعي ونشر ثقافة التسامح والسلام.
كيف ترون واقع الأمن والأمان في بلد الهاشميين،
وما دور جلالة الملك عبدالله الثاني في صناعة الأثر على المستويين الإقليمي والعالمي
في السلم المجتمعي والسلام العالمي؟
الأمن
والأمان في الأردن نعمة عظيمة تستحق الشكر، وهي ثمرة قيادة هاشمية حكيمة، ومؤسسات أمنية
وعسكرية محترفة، وشعب واعٍ يدرك قيمة الاستقرار. الأردن، رغم ما يحيط به من أزمات وتحديات
إقليمية، بقي واحة أمن واستقرار، وهذا لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة رؤية استراتيجية
بعيدة المدى. أما جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، فهو قائد استثنائي على المستوى
العالمي، استطاع أن يرسخ صورة الأردن كدولة عقل وحكمة واتزان. جلالته لم يكتفِ بحماية
الأمن الداخلي، بل كان صاحب دور محوري في تعزيز السلم المجتمعي، والحوار بين الأديان،
والدعوة إلى السلام العادل والشامل، والدفاع عن قضايا الأمة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. خطاب جلالته
في المحافل الدولية، وتحركاته السياسية، ومبادراته الإنسانية، جعلت من الأردن رقمًا
صعبًا في معادلة السلام العالمي، وصوتًا مسموعًا يحظى بالاحترام والتقدير. ونحن كأردنيين
نفخر بهذه القيادة، ونؤمن أن ما نعيشه من أمن واستقرار هو انعكاس مباشر لحكمة جلالة
الملك، والتفاف الأردنيين حوله.
لَكُم
دورٌ بارز في إصلاح ذات البين وحلّ النزاعات والخصومات، بصفتكم قامة عشائرية ووطنية
ذات تأثير واسع في المجتمع المحلي. هل تُشكّل هذه المسؤولية تحديًا لكم، أم أنكم ترونها
واجبًا ورضًا في خدمة الوطن والمواطن؟
إصلاح
ذات البين ليس تحديًا بقدر ما هو شرف ومسؤولية وطنية وأخلاقية. هذا الدور نابع من قناعة
راسخة بأن السلم المجتمعي هو الركيزة الأساسية لاستقرار الوطن وقوته، وأن حلّ النزاعات
بالحكمة والعقل يجنّب المجتمع الكثير من الآثار السلبية التي قد تمتد لسنوات. نحن في
الأردن نمتلك إرثًا عشائريًا أصيلًا قائمًا على التسامح، والعدل، واحترام الكلمة، وقد
سعيت دائمًا لأن يكون هذا الإرث داعمًا للقانون والدولة، لا بديلًا عنه. الإصلاح بين
الناس يخفف الألم، ويعيد الثقة، ويحفظ الكرامة للجميع، وهذه قيم لا تُقدّر بثمن. أشعر بالرضا
الحقيقي عندما أرى خصومة تنتهي بصلح، أو خلافًا يُغلق بسلام، لأن ذلك ينعكس أمنًا واستقرارًا
على المجتمع ككل. هذا العمل بالنسبة لي امتداد للخدمة العسكرية، لكنه في الميدان الاجتماعي
والإنساني، وهو خدمة خالصة للوطن والمواطن، أؤديها بإيمان ومسؤولية، لا انتظارًا لشكر
أو ثناء، بل وفاءً للأردن وأهله.
نراكم
اليوم حاضرين في لقاء تعاونية شجرة الزيتون، داعمًا وموجّهًا لمسيرة أبنائها. ماذا
تقولون عن هذا التواجد، وما رسالتكم من خلاله؟
وجودي
في لقاء تعاونية شجرة الزيتون يأتي من إيماني العميق بأن تمكين أبناء المجتمع المحلي
اقتصاديًا واجتماعيًا هو أحد أعمدة الاستقرار الوطني. العمل التعاوني، لا سيما في القطاع
الزراعي، يمثل نموذجًا وطنيًا راقيًا للاعتماد على الذات، وتعظيم الموارد، وفتح آفاق
رزق كريمة لأبناء المنطقة. تعاونية شجرة الزيتون تعكس روح الانتماء للأرض
والإنسان، وهي مثال على المبادرات التي تستحق الدعم والتشجيع، لأنها لا تخدم أفرادًا
بعينهم فحسب، بل تسهم في تعزيز الأمن الغذائي، وترسيخ ثقافة العمل الجماعي، وبناء مستقبل
أفضل للأجيال القادمة. حضوري اليوم هو رسالة دعم وتحفيز لأبناء التعاونية، بأن ما يقومون به
هو عمل وطني بامتياز، وأن النجاح يبدأ بخطوة صادقة وإدارة واعية وتكامل الجهود مع المؤسسات
الرسمية والمجتمع المحلي. نحن بحاجة إلى مثل هذه المبادرات التي تصنع الأثر من الميدان،
وتترجم الرؤية الوطنية إلى واقع ملموس.
كلمة أخيرة
تودون توجيهها؟
أشكر الله
أولًا، ثم القيادة الهاشمية الحكيمة، وكل من عملت معهم خلال مسيرتي. وأؤمن أن الأردن
سيبقى قويًا بأبنائه المخلصين، وبمؤسساته الوطنية الراسخة.
وقبل الختام وفي هذا اللقاء، نجد أنفسنا أمام قامة وطنية وعسكرية رفيعة، وأحد أبرز رجالات الأردن الذين جمعوا بين قوة الموقف، وصدق الكلمة، وحكمة القرار. اللواء الركن المتقاعد محمد يحيى هلال محمد الدقامسة لم يكن قائدًا في الميدان العسكري فحسب، بل كان ولا يزال حاضرًا في وجدان المجتمع، وصاحب أثر ملموس في ميادين الإصلاح، والعمل العام، والسلم المجتمعي.
إن ما
يتمتع به من محبة واحترام واسعَيْن، وما يملكه من كلمة قوية مسموعة، جعلاه نموذجًا
للرجل الوطني الذي يُؤثّر بالفعل قبل القول، ويصنع الثقة أينما حضر. هو من أولئك الرجال
الذين يتركون أثرهم بهدوء، ويكتبون سيرتهم بالعمل والالتزام، لا بالشعارات.
وأخيرا
، تثمن وكالة نيروز الإخبارية المسيرة الوطنية والعسكرية الحافلة للواء الركن المتقاعد
محمد يحيى هلال محمد الدقامسة، الذي شكّل نموذجًا رفيعًا للقائد الشجاع، والإنسان القريب
من مجتمعه، والعسكري الذي جمع بين الصرامة المهنية والبعد الإنساني. إن ما
قدمه للوطن في ميادين الدفاع، والتعليم العسكري، والعمل الاستراتيجي، والعمل المجتمعي،
يجعله قامة وطنية تستحق التقدير والاحترام، ومصدر إلهام للأجيال القادمة في معاني الانتماء،
والتفاني، والعطاء.