النقابة و"سلاح الإكراه" و "التنمر" .. الطلبة و"الدروع البشرية"
بات من المستهجن السلوك السلبي الذي يمارسه مجلس نقابة المعلمين في التمترس والتخندق والتجمد في الموقف إزاء مطلبهم المالي المعلن وهو علاوة الـ 50% دون إبداء بصيص أمل بإمكانية القبول بأقل من ذلك، وبنفس الوقت الإدعاء بانهم يرحبون بالحوار مع الحكومة، وبمفهومهم فان الحوار يعني القبول فقط بتنفيذ مطلبهم الغير قابل للحوار أو التفاوض، مع التلويح بالتصعيد وإعادة "التموضع" لمرحلة قادمة يصفوا بأن قراراتها ستكون مفاجئة للجميع.
"سلاح الإكراه" الذي يستخدمه مجلس النقابة نابع من شعورهم بسطوة القوة العددية للمعلمين الذي يقارب الـ 120 ألفا وبذات الوقت إطلاقهم "جيشا إلكترونيا" تم تفريغ عدد من عناصره لسحق أي مخالف لهم بالرأي أكان معلما أو ولي أمر أو إعلامي أو حتى مواطن عادي مستخدمين وسائل التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام الأخرى لشيطنته بعبارات نابية وبتعليقات بذيئة لا تمت إلى قطاع التعليم والتربية وأهلهما بصلة في محاولة لإغتياله إجتماعيا وبالتالي إستخدام وسيلة "التنمر" بأبشع صورها للإطاحة بالخصم الذي يعتبرونه صيدا سهلا يمكن إلتهامه من خلال "إرعابه" وليكون عبرة لغيره ممن لديه وجهة نظر أخرى، كما أنهم يستخدمون قصفا بكل الإتجاهات لأي وسيلة إعلام تحاول نقل الرأي الأخر، والمفارقة أنهم يطالبون وسائل الإعلام أن تكون "محايدة"، إلا أن مفهوم الحيادية لديهم هو "التسحيج" الكامل لهم وطأطأة الرأس والتصفيق لكل ما يقولونه دون الحق لمناقشتهم به وإلا فالصوت العالي والإتهامات المغلفة جاهزة وفتح أسطوانة الفساد والراواتب الفلكية وقدسية المعلم، وهي جميعها نتفق على ضرورة محاربتها إلا ان إقحامها في موضوع المعلمين يعتبر لا قيمة له على مطالب تحسين الظروف المعيشية للمعلمين.
أمام هذا المشهد يحق لنا أن نقف موقف تساؤل وابنائنا الطلبة يسلبون حقهم في التعليم ويدخل الإضراب إسبوعه الرابع دون أن يرف جفن عين لأعضاء مجلس النقابة الذين يقولونها بكل سخرية وإستهتار: "شو يعني أن يعطل الطلية ثلاثة أسابيع؟ إعتبروها ثلجة من الثلجات التي تعطل فيها الدولة برمتها"، التساؤل المستحق هو: لماذا هذا الإستهتار؟ لماذا هذا التعنت؟ ولماذا اللامبالاة؟ وما هو الحل؟ وبالمقابل لماذا لا يقبل مجلس النقابة بمبادرة الحكومة الرامية إلى منح المعلمين علاوة على نظام الرتب وذلك تفهما للوضع المالي المزري لخزينة الدولة؟
بإعتقادي أن مجلس النقابة يمارس سياسة "عض الأصابع" لمن يصمد أكثر، والسلاح الأقوى معهم هو أنهم يتحكمون بمصير مليون ونصف المليون طالب وطالبة يشكلون عامل ضغط هائل على الدولة وبذات الوقت يعدون أتباعهم من المعلمين الذين يمتلكون التفوق العددي بـ "المن والسلوى" وهي علاوة الـ 50% مستغلين الظروف المعيشية والإقتصادية الصعبة التي يعاني منها المواطن الأردني الذي يرزح تحت حراب الفقر والبطالة والذي يسهل تأليبه على الدولة خاصة حينما يتم دغدغة مشاعره بمواضيع مثل إستشراء الفساد ووجوب محاربته، وهي كلمة حق، ولكنها تستخدم في غير موضعها، كما يتم اقحام قضايا بعيدة عن محور الإضراب وأهدافه لها أبعاد سياسية واخرى حزبية والقائمة تطول.
وكما نعلم انه عادة ما تبتكر أطراف النزاع في الصراعات المختلفة حول العالم وسائل عدة للتأثير على قرار الخصم، ومنها إستخدم طرف ثالث بريء كـ "درع بشري" بشكل متعمد وإستخدامه كأداة لتحقيق أهدافه، ويعرف "الدرع البشري" بأنه مصطلح يشير إلى وضع المدنيين كهدف محتمل يحد من قدرة الخصم على المهاجمة وبالتالي إخضاعه إلى شروط وقيود الطرف الأخر ليصبح متحكما بخيوط الصراع.
أسوق هذا المثال للتمهيد إلى خطورة إستخدام "الطلبة" كـ "دروع بشرية" في إضراب المعلمين آنف الذكر والذي يدخل اسبوعه الرابع والذي هو ببساطة "صراع عمالي مهني" هدفه تحقيق مكاسب مالية لمنتسبي النقابة إلا أن الإضراب وضع "الطلاب" في مرمى سهام المتخاصمين من حكومة ونقابة وجعلهم أداة ضغط.
لقد جرم القانون الدولي إستخدام المدنيين في الصراعات كدروع بشرية وفق إتفاقيتي جنيف عام 1929 وعام 1949 والبرتوكول الإضافي لها عام 1977 كما تجرم معاهد روما عام 1998 لهذا السلوك، أما محليا، فإن الدستور الأردني بمادته 6/2 يكفل للطلبة حق التعليم ضمن إمكانيات الدولة التي تكفل كذلك الطمأنينة لهم كما جاء في النص التالي: "تكفل الدولة العمل والتعليم ضمن حدود إمكانياتها وتكفل الطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع الأردنيين"، وبالتالي فإن عنصر الطمأنينة غاب عن مفهوم التعليم إثر الإضراب.
أما نظام الخدمة المدنية فإنه يحضر في المادة 68 (أ) على الموظف العام وتحت طائلة المسؤولية التأديبية ترك العمل أو التوقف عنه دون عذر مشروع يقبله المرجع المختص، كما أنه يحضر في الفقرة (ج) من ذات المادة على الموظف العام الإشتراك في الإعتصامات أو الإضرابات التي تضر أو تعطل مصالح المواطنين والمجتمع والدولة وعدم إستغلال وظيفته لخدمة أغراض او أهداف أو مصالح حزبية أو القيام أو الإشتراك في أي مظاهرة أو إضراب أو إعتصام أو التحريض عليها أو أي عمل يمس بأمن الدولة ومصالحها.
وعلى الرغم من القيود الدستورية والقانونية والقوانين والمعاهدات الدولية إلا أن مجلس نقابة المعلمين يضرب بكل هذه القيم والمباديء والقوانين عرض الحائط و "يتنمر" بنقاط قوته على الجميع غير آبه بالتبعات القانونية لمواقفه المتعنته.
ومن هنا أدعو قطاع المعلمين الذين نتفق جميعا على حقهم في تحسين معيشته بأن يقفوا لحظة تفكير ترتقي إلى نضوجهم المعهود ودورهم الوطني في بناء الأجيال بعدم الإنجرار إلى لغة المغالبة وكسر العظم التي لن تجدي نفعا والتي يمارسها مجلس النقابة الحالي والقبول بما هو ممكن ومتاح وتعليق الإضراب بشكل فوري لضمان حق الطلبة الدستوري بالتعليم وبذات الوقت لنعمل سويا مع جلالة مليكنا المفدى والخيريين من ابناء هذا الوطن على إصلاح مواطن الخلل والفساد أكانت في الهيئات المستقلة أو وزارات ودوائر الدولة أينما وجدت، وأن نغلب مصلحة أبنائنا الطلبة وتفويت الفرص على الذين يتربصون بوطننا السوء في ظل إقليم ملتهب من حولنا وعدو يتربصنا.. والله من وراء القصد