اعتلائه سدة الحكم قبل عقدين من الزمن استطاع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان تغيير شكل النظام السياسي في تركيا والامساك بزمام السلطة، وحقق حضورا في الاوساط الشبابية خارج حدود دولته وخصوصا في اوساط الشباب في الاردن وفلسطين، اصحاب الاتجاهات الدينية أو المحسوبون على تيار جماعة الاخوان المسلمين وحتى في أوساط الشباب المندفع والمتحمس، وفي الحقيقة لا توجد دراسة علمية تتثبت من صحة هذه الفرضية ولكن سيل عارم من المنشورات يجتاح مواقع التواصل الاجتماعي يُظهر تعاطفا كبيرا وتأييدا لسياسات اردوغان سواء احتلاله شمال سوريا، أو تدخله في الصراع بين المكونات المختلفة في ليبيا، ويعود هذا الزخم الشعبي من الدعم، بسبب توسع الاعلام في تغطية ونشر الاخبار المتعلقة بالانجازات التي احدثها الرجل في بلاده على الرغم من امتلاك تركيا امكانيات مادية وثروة طبيعية لا يمكن مقارنتها بأي بلد شرق اوسطي اضافه الى عضويتها في حلف الناتو وحصولها على دعم منقطع النظير من الاتحاد الاوروبي وانفتاحها على الدول الاوروبية بشكل عام، وهناك اشخاص مناكفون لحكوماتهم يُظهرون مواقف مؤيدة لهذا الرجل بغية جلب الانظار اليهم وتحقيق مكاسب شخصية، الاعجاب بشخصية الرئيس وأداؤه شيء يمكن تفهمه خصوصا عندما يحاول الاشخاص العاديون جعل انجازات الرئيس او حجم ما ينشره الاعلام أداة قياس لمحاسبة حكومات بلادهم وفي ذلك مقارنة غير سليمة لانها تأخذ طابع الدعاية أكثر من الضبط الحقيقي لعناصر المقارنة...اختلفنا او اتفقنا مع وجهة النظر المؤيدة لسياساته الخارجية فذلك لا يعني عدم الخوض في تحليل هذه الظاهرة ذات الابعاد الخطيرة مستقبلا خصوصا وان المنطقة مقبلة على أحداث لا يمكن التبؤ بمدى خطورتها على التركيبة الاجتماعية. كما لا يمكن تجاهل مسالة ان الصناديق مستقبلا ستتحكم بالافرازات السياسية داخليا، ولن يكون بالمقدور تغيير نتائجها بالطرق غير الشرعية، وهناك جهات تستفيد بشكل كبير من الاخطاء التي ترتكبها الحكومات المتعاقبة سواء على الصعيد الاقتصادي او الاجتماعي فإن القادم يحمل في طياته نذر خطر في تشكيل المشهد السياسي اذا ما استطاع تيار معين تحشيد الشارع لتأييد برنامجه السياسي.
حجم التأييد لسياسات اردوغان في ليبيا يعني بالضرورة تناغم قوي في المآلات الاخيرة التي يأمل اصحاب الاجندات السياسية تحقيقها في المستقبل، لكن مع كل هذا نجد ان تحقيق اي انجازات لاردوغان في سياسته الخارجية يعني تقدم التيارات التي تؤيده على الساحة المحلية وتحقق شعبية أكبر. تركيا دولة قومية ما يهمها اولا وأخيرا شعبها واقتصادها وان كل اللاهثين خلف وهم اعادة انتاج دولة عثمانية بقالب جديد واهمون وان أكبر تحدي تواجهه الدول العربية إضافة الى الفساد، هو الخطر التركي والايرني والاسرائيلي، ولان تركيا وايران تستخدم المذهب لتحقيق طموحاتها السياسية والاقتصادية ولانها تمتلك قوى بشرية تزيد اعدادها على اعداد العرب في بلاد الشام والجزيرة فإن مخططاتهم سهلة المنال في ظل تمزق النظام العربي ودخوله في مواجهات واستقطابات سياسية تجعل من الصعب توحيد كلمته. غياب الاعلام الحقيقي المستند الى الشفافية وغياب العدالة الاجتماعية عاملان مهمان في انحراف الفكر باتجاهات خارجية قد تشكل هما اضافيا لهموم الدولة مستقبلاً.