من السِّمات البارزة في تلك الملحمة البطولية الاستماتة المنقطعة النظير والأداء الرفيع من قبل جميع الصنوف وعلى اختلاف المستويات في كل أماكن خوض القتال من أعلى القيادات حتى أدنى الرتب.
تالياً ومضات سريعة لنماذج من واقع المعركة بدءًا من مستوى المكلف والجندي مروراً بالملازم إلى العقيد فالعميد فاللواء:
الاتصالات عصب القيادة ووسيلتها في الضبط والسيطرة والتوجيه والتحكّم،
في المستوى الأدنى:
مأمور الخطوط السلكية الجندي الذي كان يخرج من خندقه تحت وابل النيران
معرِّضاً نفسه للهلاك في سبيل إصلاح الخطوط كلما تقطّعت بين القادة لضمان استمرار تمرير المعلومات وتأمين وصول الأوامر فور صدورها ذلك المأمور أسهم بدورٍ مهمٍ حيوي وخطير.
السلاح المدرع:
سرايا الدبابات من اللواء المدرع/٦٠ التي اشتبكت مع العدو مِن مواقعها الأمامية على مخاضات النهر. ومن مراكزها المهيأة لإسناد خطوط الدفاع على محاور كل من ناعور ووادي شعيب والعارضة شكَّلت جدرانَ صدٍّ أربكت العدو وأوقعت في قواته المدرعة خسائر جسيمة.
فيما كان الملازم دروع شهاب ابو وندي قائد فئة (فصيل) الدبابات المتمركزة في منطقة المثلث المصري يُدَمِّر ويُفْشِل كل محاولات التقدم على المحور الشمالي للمعركة (محور العارضة - جسر دامية) حتى نفدت ذخيرته كان لابن عمه ضابط ملاحظة المدفعية "شبيب ابو وندي على المحور الجنوبي لمعركة الكرامة شأن آخر.
في ذلك المحور يبرز دور الجندي المكلف (خدمة علم) الذي كان يمرر من موقعه القريب جداً من النهر في منطقة جسر سويمة المعلومة الفورية عن أماكن سقوط قذائف المدفعية الأردنية التي كانت تنصبُّ على أهدافها بلا هوادة حول الجسر وفي الداخل غربي النهر حيث كان المكلف على اتصال أرضي مباشر مع ضابط الملاحظة الملازم شبيب ابو وندي (إسهام كبير ودور خطير من مكلف). كان شبيب أبو وندي مُوَفَّقَاً في تدمير معدات التجسير الهندسية الاسرائيلية والدبابات وصهاريج الوقود والآليات التي تحمل الذخائر المتكدّسة - كان موفقاً كما بقية زملائه ضباط الملاحظة على امتداد ساحة المعركة- في التوجيه الدقيق لنيران المدفعية لدرجةٍ شكَّلت كابوساً للقيادة العامة الاسرائيلية المتقدمة التي اتخذت من جبل القرنطل شمال أريحا موقعاً أمامياً لها بل وجَعَلَت هيئة الركن في تلك القيادة تخطط للقيام بعمليات جريئة للتخلص من المدفعية الاردنية الثقيلة ذات المدى الطويل والعيار والقوة التدميرية الأكبر التي كانت تتمركز في بلدة "عيرا" وذلك بشن عملية هجومية ضدها/إنزال فريق كوماندوز على/ أو بالقرب من المدافع لتدميرها إلا أن الجنرال حاييم بارليف رئيس أركان جيش الكيان الصهيوني بُعيد هبوطه في موقع القيادة الأمامية (جبل القرنطل) قادماً من جنوب البحر الميت بعد أن اطمأن بنفسه على سير العمليات في غور الصافي في عملية عسكرية موازية حملت الاسم الرمزي العبري "أسوتا" وتعني بالعربية "السلامة" استبعد بارليف هذا الخيار بعد ان استمع فور وصوله عند الساعة الحادية عشرة صباحاً لايجاز من هيئة ركن القيادة
عن الموقف وسير العمليات في معركة الكرامة التي أطلقت عليها القيادة العسكرية الاسرائيلية الاسم الرمزي " تُوفِتْ" وتعني بالعربية "الجحيم" تلك العمليات التي لم تَسِرْ على ما كان خُطِّطَ لها، بل اعتراها الفشل من بداياتها الأولى وتصاعدت فيها الخسائر في القوى البشرية وفي المعدات على نحو مضطرد، فأقالَ رئيس الأركان الاسرائيلي حاييم بارليف قائد المنطقة العسكرية الوسطى الجنرال عوزي ناركيس المسؤول عن إدارة معركة الكرامة كونها تقع ضمن منطقة مسؤوليته وأصدر أمره إلى نائبه (نائب رئيس الأركان) الجنرال "يسرائيل تال" ليتولى قيادة المعركة بدلاً من ناركيس وأن يَعمَد إلى تأسيس الاتصال مع الوحدات المدرعة الاسرائيلية التي تقطّعت بها السُّبُل
شرق النهر والبدء بسحبها إلى الغرب.
مقاومة الطائرات أبلت بلاءً حسناً إذ تصدّت برشاشات ال 500 وبالمدافع المزدوجة من طراز باتون م 42 المضادة للطائرات تصدّت لسبعة أسراب من المقاتلات الاسرائيلية التي قامت يومها ب 380 طلعة جوية، لكن ذلك الجهد الجوي الكبير لم يفلح في تدمير المدفعية المتمركزة في يرقا بل استطاعت المقاومات في مراكزها المختلفة إصابة سبع طائرات وإسقاط إحداها.
توسّط السفير الأمريكي أكثر من مرة عارضاً وقف إطلاق النار لتمكين القوات
الاسرائيلية من الانسحاب بأقل الخسائر لكن قادة ألوية فرقة المشاة الأولى وهم: العميد قاسم المعايطة في محور العارضة والعقيد بهجت المحيسن في محور ناعور والعقيد كاسب صفوق الذي كان يقود المعركة على محور وادي شعيب من خندقٍ أمامي وهو بين جنوده في قلب المعركة أجابوا ثلاثتهم قائدهم اللواء مشهور حديثة أن لا وقف لإطلاق النار حيث الموقف لديهم جيد وهو لصالحهم لتنتهي المعركة بعد خمس عشرة ساعة وقد تحقق النصر على أيدي أولئك الرجال البواسل الذين صَدَقوا الله فصدقهم ونصروه فنَصَرهم....
مقال العقيد الركن المتقاعد الدكتور ضامن عقله الإبراهيم الإبراهيم