منذ أن بدأت رحلة عملي في جامعة الطفيلة الطفيلة عام 2008 والتي اعتبرتها الرحلة الفريدة من نوعها ، وقد حملت لي خبرات متنوعة وذكريات مختلفة ، سنوات من عمري ولم تنته بعد وأنا ما زلت عابرة الصحراوي اسبوعياً ذهاباً وأياباً ، خلال هذه المسيرة التي لا أعلم متى وكيف ستكون النهاية، الآ أنني دائما أتوكل على رب العالمين باعتبار أن العمل عبادة ، وكلما زادت المشقة زاد الثواب إن شاء الله ..
حتماً لا يمكن أن تسير الرحلة ما بين الذهاب والاياب اسبوعيأ بالمزاج ذاته ، كما أن هناك تقلبات مستمرة في الحالة الجوية ، كذلك التقلبات في المزاج قد تكون هي الأشد.
كنت حريصة دائمأ أن أحافظ على توازني وأن لا أتأثر بكلام الناس واستغرابهم على قدرتي على التحمل، وقسوة الطقس وتقلباته في بعض الأحيان وأن أرضخ لتقلبات مزاجي وما يراود عقلي من أفكار ويدفعني إلى اتخاذ القرار الصعب .
لا شك بأن كل حادث سير يقع على الطريق الصحراوي يترك وجع في قلبي وتراودني المخاوف على أن أكون واحدة من شهداء الطريق الصحراوي، أو ما زال مشروع الشهادة قائم والله أعلم .
ليالي وأيام عشتها تاركة بيتي في عمان وأنا من عشاق بيتي والآصدقاء والأهل وأبنائي ، لا أنكر بأنني دفعت الثمن المعنوي مقابل الأجر المادي الذي اتقاضاه وهذه المعادلة غير متفق عليها لدى البعض، ولكن اصراري في الحياة وجرأتي وقدرتي الفائقة على التحمل طالما وصفت بأنني المرأة الحديدية فيتوجب علي أن لا أخذل هذا اللقب وهذه الصفة التي لازمتني وجعلتها عكازتي أتوكأ عليها كلما شعرت بالضعف أو العجز .
كنت دائمأ مرتعبة أن لا أنقطع في الطريق الصحراوي وهذا كان هاجزي باستمرار ، قمت بتديل عدد من السيارات لتكون ألأقوى لتتحمل عنف الطريق الصحراوي والهزات القوية من الرياح المنبعثة من الشاحنات والترولات والقاطرات المقنطرة الصاروخية والمكوكية التي ممكن ترفعك إلى أعلى وتنزلك إلى الأسفل وهي لا تدري ..
طرقت كل الأبواب لعل ليلة القدر تفتح لي مرة واحدة أو يرسل الله لي ملكأ من السماء ليساعدني على نقلي إلى جامعة حكومية في عمان ، فيبدو أن القدر لا يجيب ، وأن الدعوات كلها ذهبت هباء منثوراا وكما قال عبد الحليم حافظ " قدر أحمق الخطى " ويبدو أن القدر الجميل ذهب لغيري ...
في صبيحة يوم الأحد بتاريخ 17 / اكتوبر/ 2021 .. توكلت على الله وكالعادة ركبت السيارة متوجة إلى عملي وبعد قطع ما يقارب 120 كيلو من أصل 200 كيلو شعرت بأن سيارتي لسيت على ما يرام ، وأنا واضعة يدي على قلبي وحرارتي بدأت بالإرتفاع التدريجي مع سقوط زخات من العرق حتى أرتفعت درجة حرارة السيارة وتوقفت ورائحة الدخان بدأت تبعث منها بقوة عبر الماتور، وكان هذا الفارق بيني وبينها بأنني اكتفيت بانصبباب العرق والحرارة فقط .
وفجأة نزل بعد المارة في الطريق وحاولوا المساعدة إلا أن الوضع أعمق بكثير ، إلى أن وصلت شرطة مرور الكرك وحاولي مساعدتي وأبعاد السيارة عن الطريق لخطورة الوضع وأبوا أن لا يتركوني وأذكر منهم الملازم حمزة القيسي من مادبا ، وكان تعاملهم في منتهى الرقي والأدب والذوق _ شعرت بالأمن والأمان - ورفضوا مغادرة المكان حتى علموا بأن الونش على الطريق ولا بد من إعادة السيارة إلى عمان لايصلاحها وتم ذلك بالفعل وتناولت أغراضي من السيارة لأكمل مشواري إلى جامعتي، وبعد وقوفي مدة تجاوزت الساعة في وسط الصحراء ورياحها تمكنت بالنهاية من أيقاف سائق بكب أب من عربان الحجايا الكرام ، وقد طلب (10) دنانير لتوصيلي إلى مكان عملي وأثناء الحديث في الطريق وعلم بأني دكتورة في جامعة الطفيلة وأن زملائي من الحجايا رفض أخذ الإجرة نهائياً رغم اصراري ، وهذا هو الكرم البدوي الأصيل شهامة أهل الصحراء والبادية، وأكمل حديثة قائلاً " الله أكبر يا دكتورة تاركة بيتك وأنت حرمة هو انقطعت الجامعات في عمان " انقلي على عمان ما لك حدا ينقلك... قلت له أعلم بأن هناك جامعات في عمان وهناك من انتقل من الطفيلة إلى عمان ولكن تحتاج إلى معجزة وزمن المعجزات قد ولى بالنسبة لي .. وصلت وما زالت كلمة العربي الآصيل ابن البادية تنخر في عقلي كما نخر هواء الصحراء في جسدي وأنا أنتظر الفرج.
صبرأ آل ياسر فإن موعدكم الجنة .... الحمد لله على كل شيء...