المجتمعات كالكائن الحي تتطور وتنمو وتتفاعل مع واقعها وتجتهد لمواجهة التحديات التي تنشأ مع مرور السنين إذ لا شيء يبقى على حالة. ولذلك لا يمكن أن يعيش أي جيل تماماً كالجيل أو الأجيال التي سبقته، وهنا لا أعنى التلاعب بالقيم والمبادئ والمثل العليا لأنّ هذه هي قيم سامية منزَّهه وعابرة لكل الأجيال وتصلحُ لكل زمان ومكان.
لكنَّ الأحوال تتبدل وتتغير فالعصر الذي نعيش فيه قد دخلته تقنيات جديدة ووسائل تكنلوجية عصرية ومكتشفات ومخترعات جديدة تختلف عما نشأنا عليه في طفولتنا، وهذه المستحدثات وإن كانت تشكل تحدياً كبيراً في التعامل معها لكنها تحتاج إيضاً إلى آلية مناسبة للتعامل معها والتوخّي من مخاطرها، لأن كل شيء يحملُ في طياته حدين، أحدهما قد يكون نافعاً والآخر ضارا. ويبقى دور المثقفين والمتعلمين والعلماء وقادة الرأي أن يشيروا إلى فوائد ومنافع ما دخل عصرنا الحاضر من اختراعات وابتكارات غيّرت حياتنا، والتي لا يمكن أن نبقى بعيدين عنها لأننا بالدرجة الأولى لسنا بمعزل على العالم الذي تداخل بعضه ببعض وأصبح من الصعب أن يعيش الإنسان بدون تأثير كل ما يدور حوله.
والصراع اليوم هو صراع ما بين من يريد أن يبقى على حاله أو لنقل من يريد أن يتمسك بالماضي ربما خوفاً من التجديد والتحديث أو حفاظا على منافع ومكاسب معينة وبين من ينظر إلى الأمام والتفاعل مع كل مجريات الأحداث والتطور السريع الذي يحصل حولنا حتى يكون له ولأبناه مكان في هذا العالم الجديد الذي يتطلب إنفتاحاً وعصرنة وقبولا بالتعددية واحترام الآخر.
فلم يعد مسموحا مثلاً الإنتقاص من قدر ودور المرأة اليوم كشريكة للرجل في كل مناحي الحياة ومساواتها للرجل في الحقوق والواجبات وحتى حقّها في الميراث. فأبناؤنا هم واحد إن كانوا ذكوراً أو إناثاً وهم من صُلبنا ومن نتاج علاقتنا الزوجية ويتمتعون بنفس الحب والحنان والتعامل.
كذلك في إطار الهوية الوطنية الواحدة يجب أن تذوب فيها كل الهويات الفرعية لتعلو فوق كلّ شيء الهوية الوطنية الواحدة التي تجمع الجميع في عدالة ومساواة وضمن سيادة القانون، وبذلك تكون تعدد الثقافات والأديان في المجتمع مصدر إثراء وغنى وتشكل رافداً ورافعة للهوية الوطنية والواحدة.
لذلك نحتاج اليوم أن نُبقي عيناً على الماضي لكن أن نوجه أنظارنا إلى واقعنا الحالي وإلى المستقبل القادم، وأن نهيئ أولادنا ونعدَّهم بمتطلبات العصر وحاجاته ليكون لهم دورٌ ومكانةٌ في ما هو آتٍ ولا يكونوا خارج التاريخ وخارج الزمن.