في زمن الخير والبركة، زمن القمح الأردني البلدي الصلب، زمن شولات القمح ابو خط أحمر، زمن الفلاحة والزرع والحصاد، زمن الخيرات القادمة من الريف والبادية للمدن، زمن السليقة والبرغل والمطاحن المنتشرة في كل أرجاء الوطن وأذكر منها ثلاث مطاحن كانت تشتهر بها مدينة الزرقاء الوطنية بوسط البلد وأخرى أول الغويرية زعيتر والثالثة التلهوني على الطريق القديمة الموصلة إلى عمان، فقد كان الناس يعتمدون على العجين بالبيت يخلطون طحين القمح بنسبة 80% والباقي طحين الزيرو، ويعجن بالخميرة المصنوعة بالبيت وليس الصناعية، وكانت تعجن العجنة بالليل حتى تتخمر صباحاً وترسل إلى الأفران المتواجدة بكل حي وكل شارع، ومن الأفران المشهورة بالحارة « فرن ابو شحادة « وفرن «ابو حامد» تذهب الناس بفرشات عجينها لتلك الأفران فيتم رق العجين وتنقيشة ليتحمر داخل الفرن قبلها ينثر الخباز قليلا من الطحين على «المَطْرَحَة» (الأداة التي يستخدمها في إدخال العجين وإخراجه خبزا)، ويضع أرغفة عجين ليزج بها في أتون الفرن الملتهب ويزيد النار لهيباً فتدفق مادة السولار، بينما يمسح الخباز عرقه بطرف ثيابه بعد أن سحب بعض الأرغفة الطازجة من فوهة فرنه ليخرج الرغيف المشروح ساخناً، فيأخذ بعض الناس قطعا من خبزهم وخاصة الختياريات الموجودات بالفرن يوزعن النعمة على الناس الموجودين بالفرن ويناقشن الفران بحجم الرغيف المراد خبزه. فالكل يقف ... ينتظرون دورهم لخبز عجينهم خاصة أيام الجمع وهم يحملون بأيديهم صحون الحمص والفول وأكياس الفلافل الورقية لتمتزج تلك الروائح مع رائحة الخبز وبعضهم يجلب أواني ممتلئة بزيت الزيتون مخلوطة بالزعتر وتزداد النار توهجاً بالفرن وخاصة في أيام الشتاء البارد وزخات المطر ليعطي للخبز نارا تجعله يتقمر بسرعة فجوع الناس عاطل والناس تنتظر في بيوتها متى يصل الخبز طازجاً ليوضع على طبلية بالبيت لفطور كله من خيرات الأرض لبنة / جبنة / زيتون / زيت وزعتر / تطلي / وزبدة بلدية وغيرها. انقرضت تلك الأفران وصار الرغيف نادراً هذه الأيام «رغيف القمح البلدي» وما زالت كلمات جدتي ترن في أذني يا جديتي خبز السوق ما ألو حيل إن بات جفر فالخبز البيتي اوخبز أفران زمان أنظف وأطيب، ورغم انقراض صنعة «الفران» أمام غزو المخابز الحديثة مازال بعض العائلات يفضل الخبز المصنوع في البيت. الدستور..