رصاصةُ حقد غادرة أرادت تصفية صحفية كان سلاحها قوة الكلمة ونقل الخبر بصدق ومهنية عالية رغم كل المخاطر التي تحدق بهذه المهنة وخصوصا في أرض القداسة والفداء وأرض الإسراء والمعراج، على خلاف كثرين ممن يتنطحون بكل أفعال التنظير والإستعراض من غير تقديم قشة صغيرة تخدم الأوطان والإنسان والتخفيف من جراحات الناس وآلامهم.
هذه الرصاصة الغادرة أرادت أن تضع حدا لحياة شرين أبو عاقلة التي بذلتها في سبيل عدالة القضية الفلسطينينة ونقل معاناة الفلسطينيين للعالم أجمع، وقد شكلت شيرين مصدر أرق وإزعاج بمهنيتها وتفانيها وتغطيتها لكل الاحداث الجسام التي حاولت تركيع الشعب الفلسطيني البطل، شعب الجبارين، المناضل والمرابط على أرض الآباء والأجداد، والمنافح والمدافع عن عروبة فلسطين وعن مقدساتها الإسلامية والمسيحية التي شكلت عبر الأزمان عقدة لدى المحتل الذي لن يكل في زرع الفتنة بين صفوف أبناء الشعب الواحد الممزوج بتراب وطين هذه الأرض المقدسة التي تفوح بعبق القداسة والطهر والخلاص، وبإستخدام ضعاف النفوس ممن يحاولون حرف البوصلة عن مسارها وبث سموم الفرقة الطائفية والدينية وروح العنصرية البغيضة ورائحة التكفير والفتن وعدم جواز الترحم على الآخر شريك الوطن والإنسانية وعبادة الله الواحد الأحد الذي لا إله الا هو، الضابط الكل، رب الجميع، والذي لا محاباة عنده مهما تعددت وتشعبت طرق وأساليب العبادة فهو إذ يريد أن يعبده الجميع أولا وآخرا بالروح والحق..
فرصاصة الإغتيال هذه نالت حقا من جسد شرين فورا وهشمّت دماغها وجمجمتها فسقطت على الأرض التي أحبتها وعشقتها وعشقت أهلها وشعبها في كل أرجاء فلسطين، ولكن هذه الرصاصة الغادرة فتحت سِفراً جديداً في حياة الشهيدة شرين أبو عاقلة وهو سّر محبة الناس لها والتي لن تنتهي بمفارقة الروح الجسد بل تبقى وتدوم إلى الأبد.
وهذه المحبة وهذا التفاني وهذه التضحية قد وحَّدت كل الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه السياسية والحزبية، وبمسلميه ومسيحييه حيث امتزجت الصلوات والأدعية والتكبيرات وصلاة الأبانا والصلاة عن روح الشهيدة وأعادت البوصلة نحو القدس درة فلسطين وعاصمة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران لعام ١٩٦٧.
سيكون هناك نهاية لكل شيء الا للمحبة فهي لا تسقط أبدا بل تزهر نجوما وأقمارا في كبد السماء وتشحذ القلب بالههم والعزائم بمزيد من الصمود والتضحية حتى تشرق شمس الحرية والكرامة والإستقلال..
محبة شيرين وعطاؤها تفجّرت في جنازتها المهيبة التي أعادت اللحمة الوطنية لمسارها الطبيعي ووحدت قلوب المؤمنين الموحدين بالله، وأخرست الأصوات النشاز التي تفوح بالجهل والعنصرية البغيضة، وأكدت أنه لا استقرار ولا وئام ولا سلام من غير أن يمر عبر القدس لأنها حقا هي مفتاح السلام.
وسيبقى حب الناس باقياً والذي تجلى في مراسم وداع وجنازة الشهيدة شيرين أبو عاقلة، والذي إمتدَّ من جنين إلى القدس، وأثبت للعالم أجمع صمود وثبات الشعب الفلسطيني على أرضه مهما غَلِيَ الثمن، فإما الموت والشهادة وإما العيش بحرية وكرامة..
هنيئا لك أيتها الشهيدة البطلة التي فازت بحّبِ كلِّ الناس.