كأس العالم في قطر أثبتت للعالم بأسره أن النجاح والتميز وقيادة العالم أمر ليس حكراً على الدول الأوروبية، وعلى ثقافة الرجل الأبيض، وهو المفهوم الذي كان ولا يزال الإعلام الأوروبي يحاول أن يروج له، ويجعله بمنزلة المقدس.
هذا التصور العنصري الاستعلائي الذي لا يزال البعض يعتبره امتداداً لثقافة العصور الوسطى، حيث كانت السيطرة الأوروبية، هو ما يفسر الحملة المسعورة التي تعرضت لها دولة قطر وشعبها لمجرد أنها قررت أن تنظم كأس عالم لكرة القدم هو الأفضل على مر التاريخ.
هذه الحملات الغوغائية ارتدت على أوروبا العجوز، وجعلت كثيرين، ومنهم أوروبيون كثر، يعيدون التفكير في مفهوم الريادة الأوروبية للعالم وفق التصور الذي تروجه وسائل الإعلام الأوروبية، وبدا أن مفهوماً آخر بدأ يتشكل في الأوساط الأوروبية، خصوصاً الشعبية منها، مفاده أن الريادة في العالم لم تعد تخضع لمعايير تضعها أوروبا.
فالصين واليابان وكوريا والكويت وقطر والسعودية والإمارات والبرازيل وجنوب أفريقيا ودول أخرى قدمت نماذج للريادة في مجالات متعددة، منها التحكم في أسعار وإنتاج الطاقة، كما السعودية والكويت والإمارات، أو التميز في مجال صناعة الطيران التجاري، كما قطر والإمارات، أو الريادة في الاقتصاد الشامل كما الصين واليابان، أو التميز في صناعة السيارات كما كوريا الجنوبية.
لا نقول إن الدول الأوروبية متخلفة، بل على العكس هي دول متقدمة اقتصادياً وصناعياً، وتتميز في مجالات عدة، ولكنها لا تملك الحق الأخلاقي في أن تضع نفسها قائدة للعالم وغيرها مجرد أتباع، فهي مجرد دول متقدمة تساهم في ركب الحضارة الإنسانية كما دول أخرى، ولا تتميز إلا بما يستحق التميز من دون أن يعتبرها بعض سكانها وبشكل غير أخلاقي هي الغابة المتحضرة وما خارجها مجموعة من الوحوش، كما ورد في تصريح مسيء، في سياق تعليقه على أزمة الطاقة العالمية المتصاعدة، وهو ما جعل دولاً عدة ترفض هذه النبرة الاستعلائية وتستدعي سفراء الاتحاد الأوروبي لتبدي الرفض الصارم.
كأس العالم في قطر غيرت كثيراً من المفاهيم، وعلينا، خصوصاً اتباع الليبرالية من بني جلدتنا، أن يخرجوا من عبودية أوروبا ومفاهيمها العتيقة، إلى مفاهيم عالمية الريادة الإنسانية، وحصرها بمن يتميز بالفعل، وليس فقط في الأذهان.