هل أدّيت حقّ الله تعالى في (الإرث) كما أدّيته في الصّلاة والصّوم! هل فكّرت بتوريث أبنائك لغير المال؟
(الإرث) مصدر من الفعل (ورث) بمعنى أن يكون الشيء لقوم، ثم يصير إلى آخرين "إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ"، ومن أسماء الله تعالى (الوارث) "وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ"، وسيوّرثنا سبحانه الجنّة "تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا"، وهي فقط لـ "مَنْ كَانَ تَقِيًّا" منهم
و(الإرث) له معنى واسع خرج عن المألوف من (إرث المال) إلى توريث (الجاه) "وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا"، و(العِلم) و(المهنة) و(العادات) فـ "وَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ" في "مَنطِقَ الطَّيْرِ".
وتميل فطرة الإنسان إلى سرقة (إرث المال) "وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا". وغريب أنّها لا تسرق نوعًا آخر!!
و(الإرث) من وصايا الله تعالى "يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ " و"أولادكم" لا تعني (الذّكور)؛ لأنّ تكملة الآية "لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ".
ووردت كلمة (الإرث) في القرآن الكريم 23 مرة، أكثرها في سورة (النّساء)، وقلّ ورودها لفظًا مباشرًا "وورثه أبواه"، و"أن ترثوا النّساء"، عن غير المباشر "ما ترك أزواجكم"، "ترك الوالدان"، و"القسمة"، و"حضر أحدكم الموت"، كما قلّ ورودها لصالح حُكْم (التّوريث)، عن معناها الأوسع "ورثوا"، و"يرثون"، و"أورثنا"، و"يورثها"، "أورثتموها". وأكثر ورودها (فعلا) لأنّه المقصود منها.
وكثرت الإشارات لتوريث فئات: "النّساء"، و"أُولُو الْقُرْبَىٰ"، و"الْيَتَامَىٰ"، و"الْمَسَاكِينُ"، وعبّر القرآن الكريم عن (الإرث) بـ (الرّزق) " فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ".
فمن أين جاءت فكرة (الإرث)؟ إنّها ضدّ (الاحتكار)، و(الحرمان)، وتشجّع (التّشارك) وتزيد (الرّحمة).
ومن أين جاءت فكرة أن (الإرث يفتّت الثّروات!) إنّها وليدة تاريخ من (عصر عبادة المال!) وظنّ سيء بالله تعالى، وأنّ المال عصب الحياة، وأساس حركة الحياة! ومصطلحات صنعناها وصدّقناها! وهي كذب!
بدأ تاريخ (الإرث) بفكرة (توريث الذّكر – فقط - دون الأنثى)؛ لأنّه مَن يدافع عن القبيلة! وشمل (الإرث) كلّ أملاك المُتوفّى بما في ذلك امرأته وبناته! وهي حالة تشبه حالة (حرمان توريث الأنثى الحديث)!
و(يرث الأزواج) بعضهما وسبق ذكر (إرث) (الزّوج) من (زوجه) على العكس "وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ"، و"لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ"؛ كما سبق (إرث) الرّجل (الكلالة = دون ولد) على المرأة "رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ "، وسبق (إرث) (الرّجال) على (النّساء) "لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ"، و "لِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ"، وسبق (إرث الزّوجة) على (إرث الأبوين) " فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ"، وسبق ذكر (إرث الزّوجات) على (الزّوج الفرد) " فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً".
وأخيرًا..
فقد أُغلق باب الاجتهاد في توزيع (إرث المال)؛ لأنّه مكان للظّلم، ويتعدّى ظلمه إلى أجيالٍ متتابعة، وتُقَطَّع لأجلِه الأرحام، وتُرتكَب بدافعه الجرائم، مهما أقنعتَ نفسك غير ذلك، وظننت أنّ الورثة لا يعلمون! ولذلك خُتِمَت آيات (الإرث) كلّها بـ "إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا".