أوجعت قلوبنا، وأرواحنا، أقسم أن دموعك أوجعت ذاكرتنا التي لم تشهد يوما دموعا لأم تنعى ابنها بقوّة تستنطق بها اللغة العربية ببلاغة القول والملامح، ما أصغرنا أمام دموعك التي تفوّقت على صبرك وفرحك بشهادة ابنك، ما أصغر قدرتنا التي لم تتحمل رؤية تعابير وجهك وانت تتحدثي عن ابنك الشهيد العقيد الدكتور عبد الرزاق الدلابيح، نائب مدير شرطة محافظة معان، الذي وصلت له رصاصة الغدر لنشمي من نشامى الأمن العام، ولإبن الأردن الذي ترك بيته وأسرته وعالمه ليوفّر الأمن لغيره.
ربما تخونني الكلمات وهذا طبيعي وأنا أكتب عن والدة الشهيد العقيد الدكتور عبد الرزاق الدلابيح، فلوجها أوصاف تجمع بين القوّة واللين، وبين الصلابة والرقة، وبين التحدّي والقهر، ملامح أمّ فقدت أبناءها، الذين لم يكن أولهم الدكتور عبد الرزاق رحمه الله، واستقبلته شهيدا تفوح رائحة المسك من دمه، وتعطّر أجواءنا وهواء وطن حاول العابثون تعكيره بعنفهم وغدرهم، أمّ لفّت ابنها بقلبها قبل ذراعيها، فرحة باستشهاده، حزينة على فراقه.
أوجعت قلوبنا، خنساء الأردن، كما وصفها الكثيرون، فلك فقط تحنى الأعناق، ولك وحدك تكتب الأشعار بحنان وعطاء عظيمين، يحكيان قصة أم تعبت وربّت لتستقبل جثمان ابنها شهيدا، برصاص حاقد عابث بأمن الوطن، لجمال روحك وعظمة وطنيتك فأنت الأم التي لم تبخل بابنها للوطن، أيّ أمّ أنت، وأيّ قلب تحمله أضلاعك، لا أبالغ حين أقول أنك مدرسة بالوطنية الحقيقية التي تقدّم الغالي والنفيس للوطن.
دعيني أقسم لك أن دم الشهيد عبد الرزاق أمانة في أعناقنا، لن يهدأ بال كل أبنائك وبناتك الأردنيين حتى تتحق العدالة، وينال المجرمون جزاءهم، بالقانون، الشهيد ابن الأردنيين وشقيقهم، واللون الأسود لبسته المملكة الأردنية الهاشمية بكل بقعة بها، وكما قال جلالة الملك عبد الله الثاني «الشهيد ابن لجلالته» نعم فقد تحدث جلالته بلسان حالنا وبلسان وجعنا.
لا أعتقد أن أي منا يمكن أن يبعد عن ناظريه صورك فكنت أمّ شهيد، وأمّ الصبر وأمّ النضال بحضور جعل من قلوبنا تصرخ بصوت أكبر من حجم حناجر ضد الظلم والقهر، ضد مجرم لم ير أن أمّا بحجمك تنتظر عودة ابنها، بزيّه العسكري، ليصلك وقد فارق الحياة، ليبدأ حياة أخرى في جنات الخُلد، شهيدا، لن ننسى ملامحك يا أمّا عظيمة بملامحك قصص نضال وعطاء تعجز عنها ذاكرة أمّة، الأردن بكى عبد الرزاق وسيبكيه شهيد الوطن.