لقد وصّى خير البشرية محمد -صلى الله عليه وسلم- بالنساء خيراً في أكثر من موضع، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِي جارَهُ، واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا؛ فإنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شَيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا).
ولا زال النبيّ الكريم -صلى الله عليه وسلم- يوصي بالنساء خيراً أيضاً في خطبته المشهورة في حجة الوداع قبل وفاته، فيقول -عليه الصلاة والسلام-: (أَلَا واسْتَوْصُوا بالنساءِ خيرًا، فإنما هُنَّ عَوَانٌ عندَكم)، وهذا إن دلّ فإنما يدلّ على أهمية العمل بوصيّته -عليه الصلاة والسلام-، والإحسان إلى المرأة، وحسن معاملتها.
فوائد من الحديث
يتبيّن من الأحاديث التي يوصي النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنساء خيرا عدة فوائد، ومنها ما يأتي:
حثّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على فضائل الأعمال التي من شأنها أن تزيد روابط الألفة والمودة والرحمة بين المسلمين.
معنى قوله: "استوصوا بالنساء"؛ أي "تَواصَوْا فيما بيْنكم بالإحسانِ إليهِنَّ".
يُبيّن النبيّ الكريم أهمية الإحسان إلى المرأة ويشدّد على الوصية بها؛ لأنّ المرأة في أصل خلقتها مجبولة على اللين والأنوثة والضعف، فأي إيذاء لها بالقول أو الفعل سيكسر خاطرها ويحزن قلبها.
جاء في شرح قوله: "فإنْ ذهبْتَ تُقيمُه كَسَرْتَه"؛ أي "إذا أَرَدْتَ أنْ تُقيمَ الضِّلعَ وتَجعَلَه مُستقيمًا فإنَّه يَنْكَسِرُ، وكذلك المرأَةُ إنْ أَردْتَ منها الاستقامَةَ التَّامَّةَ في الخُلُقِ، أدَّى الأمرُ إلى كسْرِها، وكسْرُها هو طَلاقُها".
يأمر النبي الكريم بحسن معاملة المرأة، إذ لا سبيل للانتفاع بها والبقاء معها إلا بالصبر على هذا الاعوجاج، ومداراتها، وحسن عشرتها.
أحاديث النبي عن الإحسان للنساء
من الأحاديث التي تبيّن حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على رفع قدر المرأة، والإحسان إليها، وإعلاء شأنها ما يأتي:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن عالَ جارِيَتَيْنِ حتَّى تَبْلُغا، جاءَ يَومَ القِيامَةِ أنا وهو وضَمَّ أصابِعَهُ).
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ، أَوْ قالَ: غَيْرَهُ).
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن كانَ لَهُ ثلاثُ بَناتٍ فصبرَ عليهنَّ، وأطعمَهُنَّ، وسقاهنَّ، وَكَساهنَّ مِن جِدَتِهِ كنَّ لَهُ حجابًا منَ النَّارِ يومَ القيامَةِ).
عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: (جاءَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعُودُنِي وأنا بمَكَّةَ، وهو يَكْرَهُ أنْ يَمُوتَ بالأرْضِ الَّتي هاجَرَ مِنْها، قالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ ابْنَ عَفْراءَ، قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أُوصِي بمالِي كُلِّهِ؟ قالَ: لا، قُلتُ: فالشَّطْرُ، قالَ: لا، قُلتُ: الثُّلُثُ، قالَ: فالثُّلُثُ، والثُّلُثُ كَثِيرٌ، إنَّكَ أنْ تَدَعَ ورَثَتَكَ أغْنِياءَ خَيْرٌ مِن أنْ تَدَعَهُمْ عالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ في أيْدِيهِمْ، وإنَّكَ مَهْما أنْفَقْتَ مِن نَفَقَةٍ، فإنَّها صَدَقَةٌ، حتَّى اللُّقْمَةُ الَّتي تَرْفَعُها إلى في امْرَأَتِكَ، وعَسَى اللَّهُ أنْ يَرْفَعَكَ، فَيَنْتَفِعَ بكَ ناسٌ ويُضَرَّ بكَ آخَرُونَ، ولَمْ يَكُنْ له يَومَئذٍ إلَّا ابْنَةٌ).