تابعت مترتبات حديث دولة رئيس الوزراء الإيجابية والسلبية! تابعت عاصفة التنمّر والقسوة ضد الرئيس. وتابعت عاصفة الإشادة والدفاع عن السيد الرئيس. وأكتب هذه المقالة بعيدًا عن الطرفين. لن أهرب إلى الوسط، فالوسط عندي جبن وفراغ، ولن أدعي الحكمة بأثر رجعي بعد تكشّف الأمور، لكني سأفتح معبرًا ثالثًا قد يقل سوءًا عن المعبر المتحذلق والمعبر المتنمّر !
أسجل في البداية أن الفرح الذي عاشه الأردنيون قبل أسابيع لم يكن فاعلًا، ولم يُستثمَر كما تمنيت، ولذلك ووفق دراستي لعلم الاجتماع كان ظاهرة اجتماعية عابرة سطحية لم تمسّ جوهر الرأي العام الأردني، ولم تؤثر على العقل الجمعي الأردني.
إذن؛ لم يدرس أحد ظاهرة الفرح، ولم يستثمر أحد هذه الظاهرة بل استثمر فيها عديد من المنافقين!!! عدنا إلى المربع الأول مع أني كتبت متفائلًا: ما بعد الفرح ليس ما قبله!! لكنّ هذا لم يتحقق؛ بل عادت حليمة لعاداتها القديمة: أحاديث سطحية، تنمّر، نفاق شديد، وانصر أخاك ظالمًا، واضرب أخاك مظلومًا! عدنا فريق كرة قدم فاشلا: دفاع عن -ولا شي- ، وهجوم على- ولا شي- معارك دون كيشوتية!
عودة إلى ما يهمني بوصفي تربويا:
ما أثير عن حقيقة أن دولة الرئيس من العشرة الأوائل، وهي حقيقة مؤكدة شكّك فيها متنمّرون!! كتبت مرارًا عن موضوع التفوق في التوجيهي، وأسميت المتفوقين بِــ: الحُفّاظ العشرة! وطالبت بعدم الاحتفاء بهم، فهم ليسوا أفضل الطلبة، بل أكثرهم دقة وخوفًا وحذَرًا، والتزامًا، واستثمارًا لكل لحظة، يحفظون الماعون، وربما لا يعرفون شيئًا خارجه!
فمن الواضح أن الحفاظ العشرة هم تنفيذيون! ومعنى تنفيذي: أنه يطبق ما يتلقى من توجيهات وحريص جدّا على الالتزام بها وعدم الخروج عليها! وقياسًا إلى التشريعي والقضائي، فهما يمتلكان مهارات التحليل والتركيب، والخروج عن القواعد وتطويرها، والعمل بروحها أكثر من نَصّها، وهذا ما لايفعله التنفيذي!! والمجتمع يحتاج إلى أشخاص تشريعيين وقضائيين، وهؤلاء هم القادة والنخبة، كما يحتاج إلى تنفيذيين وهم الأقل مرتبة.
الوزراء والنواب والمديرون والقادة يجب أن يكونوا تشريعيين وقضائيين، ولا يجوز أن يكونوا تنفيذيين. فالتفيذيون هم رؤساء الدواوين، وبعض أقسام البوليس، وكَتبة الدولة، والمفتشون، وعِباد الله من الموظفين الملتزمين والحرْفيّين، وبعض رؤساء الأقسام، و" الجبناء " الذين يوضعون في مراكز قيادية ولا يفعلون سوى تطبيق التوجيهات والتعليمات.
نعم الحُفّاظ العشرة غالبًا ما يكونون تنفيذيين! ولكن هذه ليست قاعدة، فليس جميع العشرة الأوائل تنفيذيون، فقد يكون بعضهم قياديّا !! هذا كلام ليس له علاقة بما دار حول دولة الرئيس إطلاقًا. هناك من هم من العشرة الأوائل مبدِعون، ولكنهم نادرون أو قلة.
وأخيرًا، ما يؤلم حقّا أننا لا نستفيد من تجاربنا، تمرّ الأحداث، ولا تترك أثرًا يُذكَر!!