الجرائم الإلكترونية، هل تحتاج قانونا، وهل يتطلب في هذا القانون الحزم والحسم حدّ تغليظ العقوبات؟ في عالم بات فضاؤه الرحب يبثّ الكثير من السلبيات والإساءات والجرائم، والتنمّر والتحرّش، واغتيال الشخصيات، حتما لأي باحث عن سلامة المجتمعات وحمايتها وأمنها، ستكون اجابته، نعم الجرائم الإلكترونية بحاجة الى قانون حازم يرتب هذا الفضاء الواسع الذي بات يشكّل إحدى وسائل الحرب على المجتمعات.
لا يمكن الإجماع على القول إن الجميع بحاجة لقانون يحمي المجتمع من الجرائم الإلكترونية، أو الإجماع على مواد قانون جديد بصورة مطلقة، لكن عندما نقف على ارتفاع عدد الشكاوى الإلكترونية منذ العام 2015 من 2300 إلى 16000 شكوى عام 2022، فيما وصلت إلى 8000 شكوى منذ بداية العام الحالي حتى الآن، حتما علينا الإجماع بوجود خطر حقيقي يهدد المجتمع، ويضع كافة أبنائه، وأعنيها تماما، كافة أبنائه دون استثناء أو خطوط حمراء، يضعهم تحت مطرقة هذه الجرائم، وفي دائرة هذه الشكاوى، وبطبيعة الحال كل من يسير في درب السلامة حتما لا يخيفه شيئا، فلماذا ثورة الرفض التي نراها ونسمع بها على قانون مهمته حماية المجتمع واجتثاث كل ما من شأنه الإساءة لمواطنيه.
وجود ضوابط قانونية وحازمة لمواجهة خطر الجرائم الإلكترونية التي لم تقف عندّ حدّ أشخاص أو مؤسسات كبيرة وحساسة، لا يعيب واقعنا بشيء بل على العكس هي خطوة نحو الأمام في التعامل مع هذا النوع من الجرائم، والتي بالمناسبة لم تقف مواجهتها عند الأردن إنما هي حالة عالمية تسعى لمنع الجرائم الإلكترونية أو على الأقل السيطرة عليها، في وجود الضوابط القانونية الحديثة والمتطوّرة للتعامل مع هذا الفضاء بات حاجة وضرورة، وهناك حالياً جهد دولي لصياغة اتفاقية دولية جديدة لمكافحة الجريمة الالكترونية تحت مظلة الامم المتحدة، والاردن يشارك بفاعلية في هذا النقاش الدولي الدائر منذ عدة سنوات.
وقد يغفل البعض أن تطوير القوانين الخاصة بهذا الجانب مسألة هامة وضرورية، ليس فقط لحماية المجتمع من ما يشهده الفضاء الإلكتروني من تجاوزات، إنما أيضا حتى تكون التشريعات الاردنية مواكبة لتشريعات الدول الأخرى المتعلقة بالجريمة الالكترونية والتشريعات الاخرى ذات العلاقة، حتى يستطيع التعاون معها وتبادل المعلومات والاستفادة من امكانياتها وحتى يستطيع الولوج الى أسواقها، ومواجهة أدواتها الحديثة والتي تتحدث بشكل دائم.
مشروع قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2023، الذي أقره مجلس الوزراء وهو أحد أهم القوانين المطروحة أمام مجلس النواب في الدورة الاستثنائية الحالية، ومنحته الحكومة صفة الاستعجال، لغايات بحثه وإقراره، وإن اختلفت الآراء على مواده كافة أو اتفقت هو حاجة وضرورة خلال المرحلة الحالية، وفي تغليظ العقوبات المالية «الغرامات»، نقطة لصالح المجتمع وحمايته من جرائم هذا الفضاء الواسع، وكما يقول البعض من لمست يده نار هذه الجرائم ليس كمن بقيت يده بماء هذا الفضاء، فهناك من تعرض لأذى كبير وأرقام الشكاوى الإلكترونية تحكي عن هذا الواقع.
إضافة الى أن مشروع القانون تكمن أهميته في مواكبة التطورات سواء في مجال التقدم الحاصل في اساليب الجريمة الالكترونية، أو من ناحية التطور الحاصل في التكنولوجيا وامكانية تسخيرها بشكل غير قانوني يضر بالأفراد والمجتمعات، في ظل وجود أشكال جديدة يوميا للجريمة الالكترونية، تحتاج تطورا في القانون الحالي الذي لا يغطيها، ولا بد من تحديثه.
تتعدد وتزداد الجرائم الإلكترونية، وأي خطوة من شأنها منعها، وحماية المجتمع يجب أن يدفع الجميع لتطبيقها، ولا علاقة لذلك بحرية التعبير والرأي، فاختراق الشبكات والبرمجيات بقصد تعطيلها، والدخول القصد ودون تصريح على وسائل الدفع الإلكتروني، والاعتداء على تقنية نقل الأموال والخدمات المصرفية للبنوك والشبكات المالية، والاحتيال الإلكتروني والترويج للأعمال الإباحية، والقدح والذم والتحقير واغتيال الشخصية وإثارة الكراهية والفتنة والنعرات والنيل من الوحدة الوطنية، والدعوة للعنف وازدراء الأديان، والإتجار بالأسلحة وكيفية تصنيع الذخائر والمتفجرات، والتسول الإلكتروني، وغير ذلك أعتقد أن لا علاقة بها مطلقا بحرية التعبير، بالتالي اجتثاثها حاجة وضرورة، ونعم لقانون الجرائم الإلكترونية الذي يحمي المجتمع.