نيروز الاخبارية : لم يكن لي شرف التعرف أو الالتقاء شخصيا، بذلك الفارس الأردني الدكتور حيدر الزبن، الذي كان يرأس " مؤسسة المواصفات والمقاييس " لمدة ستة سنوات. بل كان لقاؤنا وجدانيا عن بعد وعبر الأثير، جسّده لدينا حب الوطن والحرب على الفاسدين. ومؤسسة المواصفات والمقاييس لمن لا يعرفها، هي الدرع الواقي الذي يحمي صحة المواطنين من فساد الغذاء والدواء ، ويحفظ سلامتهم من خطورة المواد الصناعية التي يستخدمها الإنسان. في عيد العمال الذي يصادف هذا اليوم، ونحن نقدم التهنئة لعمال الوطن المخلصين، فإننا نبارك أيضا للفاسدين في انتصارهم على أحد الشرفاء، فاستطاعوا إبعاده بصورة غير مباشرة من موقعه، والتخلص من عقبة كأداء، كانت تقف حجر عثرة أمام صفقاتهم التجارية المشبوهة. تمثلت تلك العقبة بالدكتور حيدر الزبن، ابن المؤسسة التي عمل فيها لما يزيد على 17عاما، فعرف طبيعة عملها وكل خفاياها الغيرة قبل الكبيرة. ومن خلال عمله كمدير لهذه المؤسسة لمدة ستة سنوات، وقف كطود شامخ في وجه الفاسدين، الذين حاولوا الإضرار بصحة المواطنين من خلال إدخال الغذاء والدواء الفاسدين والمواد الأخرى إلى البلاد. كان أمام الدكتور أحد امرين : إما أن يجامل الفاسدين وأعوانهم الوسطاء من بعض المسؤولين، ويمرر صفقاتهم المشبوهة، أو أن يتبنى طريق الأمانة والشرف ومخافة الله، ورفض أي بضاعة لا تنطبق عليا الشروط الموضوعة، فاختار الثانية بكل تصميم. نعلم أهمية هذه المؤسسة والإغراءات التي يمكن أن تقدم لمن يديرها، والتي لا يصمد أمامها إلاّ الرجال الشرفاء الذين يحرصون على دينهم ومصلحة وطنهم وشعبهم بأمانة مطلقة. لقد كان الدكتور حيدر صخرة عصية لا تلين أو تنكسر أمام الفاسدين لتمرير صفقاتهم الفاسدة. فواجه غضب الكثيرين وفقد صداقة آخرين، لأنه لم يرضخ لطلباتهم التي تخالف الأسس المعمول بها. فشكل بذلك أنموذجا فريدا مهنية العمل، والنزاهة والاستقامة أمام كل ذي بصر وبصيرة. الدكتور حيدر الزبن تأخر إبعاده عن هذه المؤسسة كثيرا، لأنه من نوع غريب على هذا الزمن – زمن الليبراليين والصلعان – فهو من زمن العمالقة الذين عهدناهم في أمانة المسؤولية خلال منتصف القرن الماضي. وكما يقول المثل الشعبي : قضيب مستقيم بين عشرات القضبان المعوجّة، يُظهر المستقيم أعوجا بالافتراض، بينما بقية القضبان هي المستقيمة. لقد توقعنا إبعاد الدكتور عن هذا الموقع منذ زمن طويل، وخاصة بعد منعه لإدخال صفقة اسطوانات الغاز الهندية ( القنابل الموقوتة ) إلى كل بيت في البلاد، وأصرّ على إعادة تصديرها إلى الخارج. بعد ذلك جرت محاولات عديدة لنقله إلى مواقع أخرى ولكنها فشلت، لأن القصد منها كان واضحا لكل المواطنين. أما اليوم فقد وصلت جرأة الحكومة إلى ذروتها، فأبعدته عن عرين المؤسسة بعكس قناعات المواطنين الشرفاء. وبما أنه لا حول لنا ولا قوة في ردّ قرار الحكومة، لا يسعنا إلا أن نقول للدكتور حيدر : بارك الله بك على ما قدمت من عمل شريف، وما زرعت من سمعة طيبة لك ولهذه المؤسسة الهامّة، فلم تغريك مكاسب الدنيا، ولم يخيفك التهديد والوعيد، ولم تجامل الفاسدين وأعوانهم. ونتذكر بهذه المناسبة ما قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصف إخلاص أبي بكر في خدمة المسلمين : " لقد أتعبت من جاء بعدك يا أبا بكر ". وها نحن اليوم بعد أن ترجّلت عن هذا العرين نردد نفس المقولة : " لقد أتعبت من جاء بعدك يا حيدر "، فجزاك الله عنا كل خير، مع تمنياتنا لك بالتوفيق أينما رحلت وأينما حللت.