كيف ينظر الغرب لدول العالم الثالث؟.. هو سؤال يطرح نفسه مع كل تطور دولي لافت، كالحرب التي نشهدها اليوم في غزة.
طريقة تعاطي الغرب مع الضربات الإسرائيلية للقطاع واستهداف المدنيين والبنى التحتية والمستشفيات، تعطي جزءًا من الإجابة عن السؤال المطروح، إذ بدا الغرب غير مكترث لكل الموت والدمار الذي أحدثته آلة الحرب الإسرائيلية، رغم أن الموقف الغربي شهد وبضغط شعبي وأخلاقي بعض التغير، عبر المطالبات بإدخال المساعدات للقطاع المنكوب، وبيانات تدعو إسرائيل لتجنب استهداف المدنيين.
وليست الحرب على غزة وحدها ما تكشف الطريقة الغربية في التعاطي مع ما يسمى "العالم الثالث"، فهناك شواهد عديدة منها ما هو تاريخي ومنها ما هو مستمر في الوقت الحالي.
أوّلًا، لنكن على بينة، مِن أن مسمى "العالم الثالث" بحد ذاته أحدثه الغرب في بداية الخمسينيات إبان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي آنذاك، إذ شهد العالم تحالفين، الأول: الولايات المتحدة والدول الغربية كبريطانيا وفرنسا، والثاني: الاتحاد السوفيتي والصين وكوبا، فوجد مثقفون وإعلاميون غربيون تقسيمًا جديدًا، يقسم العالم إلى 3 تصنيفات، العالم الأول، وهو التحالف الغربي، والعالم الثاني، وهو المعسكر السوفيتي، وأمّا الدول التي بقيت بعيدًا عن التحالفين فوقعت تحت مسمى العالم الثالث.
المشكلة في تسمية العالم الثالث بحد ذاتها، أصبحت تعطي مدلولًا على الدول الفقيرة والتي غالبًا ما تشهد الصراعات الداخلية، وتعيش في ظل خدمات صحية وتنموية شحيحة، فكانت التسمية الغربية بحد ذاتها تعطي التصور الكامل للنظرة الغربية لهذه الدول، ومنها أساسًا رأى الغرب بأنه يملك حق الوصاية والاستعمار واستغلال الثروات.
بريطانيا العظمى المملكة التي لا تغيب عنها الشمس، استعمرت كثيرًا من البلدان، ورأت في نفسها الوصي الشرعي لدول لا تملك أمر إدارة ذاتها فهي من "العالم الثالث" وكذلك فعلت فرنسا، التي وجهت اهتمامها صوب أفريقيا لا سيما دول الساحل، استغلت الثروات واستعمرت ونكلّت بالسكان الأصليين، وحولت العديد منهم إلى عبيد.
وقبل نشوء الولايات المتحدة، بدأ الغرب في استعمار الأمريكيتين، جلب "العبيد السود" للعمل في الأرض الجديدة، وأنشأ الدولة العظمى، التي أصبحت اليوم تقود التحالف الغربي الاستعماري.
وكل ما سبق، يشكل إطارًا تاريخيًّا يوجه النظرة الغربية للعالم الثالث، وهي نظرة قائمة على المصلحة البحتة، فلهذا ترى تعريفين غربيين لكل القيم والأخلاقيات في عالم السياسة، أحدهما لدول العالم الأول، والآخر خاص للعالم الثالث، ولتوضيح ذلك، قارن -يا رعاك الله- بين طريقة الغرب في التعامل مع ملف اللجوء الأوكراني وكيفية تعامله مع اللجوء السوري.
الغرب سارع لمساندة أوكرانيا، وتعامل مع اللاجئين الأوكرانيين بطريقة مختلفة تمامًا مع ما فعله مع اللاجئين السوريين، الذين واجهوا العناء والإبعاد وعاشوا في مخيمات بظروف صعبة وتعرضوا للتنكيل في أكثر من بلد أوروبي، بينما كانت الحال مختلفة كليًّا مع الأوكرانيين، الذين وجدوا الترحيب والبيوت المفتوحة لاستقبالهم.
كثيرة هي الشواهد على الطريقة الغربية البشعة في التعامل مع دول "العالم الثالث"، ولكن أكثرها بشاعة وإثارة للضحك بالآن ذاته، الطريقة الأمريكية، التي دمرت بلدانًا بهدف تصدير الديمقراطية إليها.