يوما ما نتمنى ألا يكون بعيدا سينتهي العدوان الاسرائيلي على غزة، ومهما تكن النهاية وتفاصيلها واتفاق وقف الحرب فإن هناك تضاريس جديدة لعلاقة كيان الاحتلال مع الأردن قد رسمتها المرحلة. المعاهدة ما تزال قائمة لكن الأهم ليس هنا، لأن حرب غزة أكدت ما كان في أوراق الدراسات والتحليلات حول نظرة الاحتلال للأردن ومستقبل الفلسطينيين، تلك النظرة التي كان البعض يعتقد انها خيال او نوع من بث الخوف، فالأردن وحتى مصر الشقيقة هما هدفان للتفكير والمخطط الصهيوني في التعامل مع الفلسطينيين. التهجير هو جوهر التفكير الاسرائيلي من غزة الى مصر، تهجير يغير تركيبة غزة السكانية ثم توطين لأهل غزة في مصر وغيرها، فإسرائيل في فكر الاحزاب المتطرفة وكلها اليوم في حكومة نتنياهو تعدّ الأردن الوعاء الجغرافي والسياسي الذي يخلصهم من الفلسطينيين.. كل الفلسطينيين، لأنك عندما تهجر اهل الضفة فإن الفلسطيني الذي يحمل الجنسية الأردنية لن يعود قادرا على التفكير بحق العودة وسيكون على الجميع البحث عن وضع سياسي في الدولة الأردنية التي لن تبقى أردنية، وايضا لن يبقى الفلسطيني فلسطينيا، وحتى من لا يحملون الجنسية الأردنية من أبناء فلسطين وغزة ومقيمين في الأردن فإن خيارهم الوحيد الذي سيتحول إلى مطلب له مناصروه هو التجنيس والتوطين.
ما ظهر من فكر سياسي ومخططات على الارض من إسرائيل تجاه الأردن ليس له إلا تفسير واحد وهو بقاء الأردن، لكن تغيير بنيته السكانية وبنية نظامه السياسي وكل تفاصيل الدولة والذهاب إلى دولة جديدة، اي استهداف لهوية الدولة الأردنية والأردنيين وحرمان الفلسطينيين من هويتهم وحقوقهم واعطاؤهم هوية جديدة وأرض ودولة وحقوق سياسية في دولة ليست غريبة ولا بعيدة عن اي فلسطيني. لهذا فالعلاقة الأردنية مع اسرائيل بعد العدوان لن يغيب عنها هذا التفكير وهذا المخطط وخاصة إذا نجح الاحتلال في تهجير اي عدد من غزة الى مصر حتى لأسباب انسانية، فالعلاقة الأردنية مع اسرائيل حتى وان بقيت في حدودها التي هي عليها اليوم لن يكون ممكنا الدفاع عنها، وستبقى اسرائيل مثل الافعى التي لا يمكن أن تأمن غدرها مع اي ظرف متغير كما حدث مع غزة في أكتوبر الماضي. خلال السنوات الاخيرة عاشت العلاقات بين الأردن واسرائيل سنوات برود سياسي شديد وكان هناك توتر سياسي في محطات كثيرة حول القدس وقتل اسرائيل لعملية السلام واسباب اخرى، لكن واقع هذه العلاقة بعدما كشفته حرب غزة سيكون صعبا جدا فاسرائيل ليست خصما سياسيا بل هي الخطر الحقيقي على الهوية الوطنية الأردنية، وخطر على بنية النظام السياسي الأردني وتهديد حقيقي على كل ما هو أردني طبعا بالشراكة مع كل المؤمنين بطروحاتها من أبناء جلدتنا اضافة الى خطرها على حقوق الفلسطينيين.
ربما ما يمكن ان يخفف من آثار هذه الحرب على العلاقة بين الطرفين ان تذهب اسرائيل إلى حل سياسي يعطي للفلسطينيين دولتهم وحقوقهم على أرضهم، لكن التفكير الامني والعسكري الذي يحكم مسار اسرائيل لا يجعل هذا الخيار ممكنا في المدى المنظور.