مشكورة جنوب افريقيا البلد الأكثر في العالم معرفة وادراكا لمعنى العنصرية والكراهية والفاشية انها تقدمت لما يسمى زورا وبهتانا بمحكمة العدل الدولية ومعذورة أيضا جنوب أفريقيا فهي البلد الذي أنصفه العالم نفسه الذي قسى عليه زمنا طويلا وبالتالي فإنها دون غيرها من حقها انها لا زالت تصدق ان هناك شيء اسمه العدل على وجه الكرة الأرضية.
الجميع بلا استثناء رحب بخطوة جنوب افريقيا ولكن أحدا لم يفعل شيئا لإسناد موقفها فلم يصل مثلا وزير العدل من فلسطين الى جنوب افريقيا ... لم يذهب ولم يحمل معه تاريخ نكبتنا بالصوت والصورة ... لم يذهب ولم يحمل معه أفلام وثائقية يعترف بها جنود جيش الاحتلال بانهم بقروا بطون الحوامل واغتصبوا النساء وذبحوا الرجال, لم يحمل معه حكايات مذابح لا اول لها ولا اخر وبعض ضحاياها لا زال حي يرزق, لم يحضر وزير التعليم في فلسطين ليحمل معه تاريخ الجريمة ضد التلميذ والمعلم والمدرسة, لم تحضر وزيرة المرأة لتحمل معها عذابات النساء الفلسطينيات, لم يحضر وزير الاسرى ليروي عذابات لا حصر لها ولا يحتملها وقت ولا تكفيها سنوات من الوقت لتروى, لم تحضر وزيرة الصحة لتري العالم كيف يصير المستشفى هدفا للموت ولا يكف يختلط مطر السماء بمطر الأرض من الصرف الصحي وحجم المأساة وعدد المصابين بأمراض معدية, لم يحضر وزير الزراعة ولم يحضر معه ما يثبت كيف تسرق الأرض من أصحابها علنا وتحرق المزروعات ويقتل الفلاح ويمنع من قطاف موسمه او زراعة أرضه, لم يحضر وزير الشؤون الاجتماعية ليرى الناس كيف يجوع الوزير مع شعبه, لم يحضر وزير الأوقاف ليروي حكاية الأقصى والحرم الابراهيمي وكنيسة المهد والمساجد والكنائس في كل مكان, لم يحضر وزير الزراعة ليروي حكاية العطش ليس للإنسان فقط وليروي كيف تسرق الأرض والمزروعات وبيوت الناس, لم يحضر وزير الاعلام ولم يحضر معه أسماء عائلة وائل الدحدوح ولا سترات الصحفيين المحترقة برصاص الاحتلال, لم يحضر وير الإسكان ليروي حكاية البيوت التي صار لها سقف واحد هو السماء والسماء تمطر, لم يحضر وزير المواصلات ليحكي عن الطرق التي لا طرق تؤدي اليها, لم يحضر وزير الطاقة ولم يحضر معه شمس غزة المطفية بنار الاحتلال , لم يحضر وزير الثقافة من لبنان ليحمل معه حكاية قانا وأهلها الذين لجأوا من الموت الى قاعدة لقوات الأمم المتحدة فذبحوا تحت علمها, لم يحضر وزير التعليم من مصر ليحمل معه حكاية أطفال بحر البقر الذين قصفوا وهم على مقاعد المدرسة يتعلمون درسا في الحب والحياة لم يكتمل, لم يحضر أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الذين على ما يبدو يعرفون انهم لا يمثلون أطفال غزة, لم يحضر رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس دولة فلسطين ورئيس السلطة الفلسطينية ولم يحمل معه نيران الوجع التي تطال كل شيء فلسطيني.
الغريب أننا نتحمس للأمر دون ان نفعل شيئا سوى قيام بعض النشطاء الفلسطينيين والعرب والمؤيدين لهم بالهتاف على أبواب المحكمة لفلسطين وشعبها وحريتها وفي معظم الأحيان يكون الهتاف بالعربية ولا شيء أكثر ... لا شيء أكثر وبعد ان قدمت جنوب افريقيا ورقتها وجاء اليوم التالي لتحصل دولة الاحتلال على فرصة تاريخية للرد بطريقتها وتقدم سرديتها في اخطر واهم منبر قضائي دولي يحمل صفة العدل ويترافق ذلك مع كم التطبيل والتهليل لهذا المنبر من طرفنا وهو ما يلزمنا بقبول القرارات أيا كانت وفي سبيل ذلك كان علينا ان نبذل جهودا خرافية لندعم حقنا امام مؤسسات نعرف جيدا كم هي مخترقة ومنقادة وطوال عقود من عمر دولة الاحتلال وقرن كامل من عمر الحق المغيب قسرا وبإرادة دولية فان علينا ان ندرك ان العدل يغيب بغياب الحق ولن يأتي من هذه المحكمة عدلا على الإطلاق وستكون القرارات ضدنا قبل كل شيء لأننا لم نذهب الى لاهاي كما ينبغي الذهاب فإننا سنبقى بلا وفاض لأنه ليس هناك ما نملاه به على الإطلاق من عالم لا زال يواصل التآمر علينا وعلى قضيتنا ومن يناصرها او يناصرنا ولا زال بعضنا يواصل الاستهبال ويكتفي بالغياب حين ينبغي الحضور.