العلاقات الاجتماعية في العصر الرقمي .. بقلم محمد محسن عبيدات
نيروز - قديمًا وقبل التاريخ الميلادي، أطلق على تلك الفترة
العصور القديمة وكانت العلاقات الاجتماعية تعتمد على التواصل المباشر والعديد من
الطرق البدائية والتقليدية وحسب توفر وسائل الإتصال، ومع بداية التاريخ الميلادي
أطلق على تلك الفترة اسم العصور الوسطى وبقيت وسائل الإتصال كما هي . وفي بداية القرن التاسع عشر شهد العالم أجمع تطورًا
كبيرًا ونقلة نوعية في أدوات الاتصال
والتواصل وتم اختراع الهاتف الثابت والراديو والتلفاز والصحف الورقية، وأطلق على
تلك الفترة اسم العصر الحديث وصولًا
إلى القرن العشرين حيث تم اكتشاف أو صناعة
ما يسمى بالشبكة العنكبوتية ”الإنترنت”، حيث أطلق على هذه الفترة ما
يسمى بالعصر الرقمي أو الإلكتروني ونتج عنه طوفان هائل من
المعلومات والأخبار مع ظهور أدوات الاتصال
والتواصل الحديثة وأهمها مواقع التواصل
الاجتماعي ,والمواقع الإلكترونية ، والمدونات والمنتديات.
مع
صناعة الأجهزة الحديثة وأهمها الهواتف الذكية وتوفر خدمة الإنترنت أصبح العالم
أشبه ما يكون بقرية صغيرة، وتحول العالم أجمع في كل تعاملاته وأعماله إلى
التكنولوجيا الحديثة، وزاد من ذلك مؤخرًا جائحة كورونا التي أجبرت العالم على
استخدام التكنولوجيا الحديثة بشكل كبيرٍ جدًا.
العصر
الرقمي أوجد ما يسمى ”المجتمع الرقمي ”الذي
يعتمد بشكل كبيرٍ جدًا على أدوات الاتصال
الحديثة في معظم مناحي الحياة وأهمها: العلاقات الاجتماعية، حيث تحولت العلاقات الاجتماعية التقليدية بشكل مفاجئ
إلى العلاقات الرقمية الكونية العابرة للثقافات وغير الخاضعة لأي قيود يفرضها الزمان والمكان ،ومن مجتمع أقل تعددية إلى مجتمع مفتوح غني
بالثقافات والتجارب والأفكار ، وبرزت كذلك مفاهيم جديدة كالمجتمع الرقمي،
والمواطنة الرقمية، والعلاقات الرقمية، والمدينة الرقمية ،وبالتالي نجد المجتمعات
اليوم مقسمة إلى قسمين رئيسين ، وهما : المجتمع التقليدي والمجتمع الرقمي ولكل مجتمع إيجابيات وسلبيات أثرت بشكل كبير على مختلف مناحي الحياة .
العلاقات الاجتماعية في العصر
الرقمي لها أنماط مختلفة حيث أصبحت
غالبيتها افتراضًا ، يسودها الإنفرادية و العزلة الاجتماعية ، وأتاح العصر الجديد لشعوب العالم بناء علاقات كونية وعابرة للثقافات، وغير خاضعة للقيود التي يفرضها الزمان
والمكان .ولعلّ أبرز ما يميّز هذا العالم الرقمي : إلغاء أنماط الحياة الاجتماعية
والأسرية وطرق الاتصال والتواصل المباشر ، يعني وحسب الأمثال الشعبية: ”طعة وقايمه”،والتعرف على علاقات جديدة من
الأصدقاء والمعارف من خلال الاتصال والتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي والانتقال إلى مجتمع مفتوح غني بالثقافات والتجارب والأفكار ،وأصبحت العلاقات الاجتماعية
ليس لها حدود جغرافية معينة وقد تكون على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي ،
يعني الانفتاح على مستوى العالم ،حيث أصبح العالم أشبه ما يكون بقرية صغيرة.
العلاقات
الاجتماعية في العصر الرقمي ساهمت كذلك في زيادة علاقات التعارف بين الأفراد من
مختلف الجنسين ومن مختلف الثقافات
والديانات والفئات العمرية وفي أي مكان وزمان ، وتكون غالبتها في الخفاء من خلال
مواقع التواصل الاجتماعي والاتصال المباشر بالصوت والصورة وغير ذلك من الوسائل
الحديثة، وإمكانية تلقي العلم والمعرفة والمعلومات والأخبار من الإنترنت بالإضافة
إلى الوسائل التقليدية ، التي كانت متداولة قبل العصر الجديد ، والتفاعل مع
المناسبات الاجتماعية المختلفة من أفراح وأتراح وحفلات النجاح وأعياد الميلاد افتراضيًا
من خلال التعليقات والإعجابات والمشاركات والاتصالات المباشرة ،واجتماع الأسرة أو
العائلة في كل الأوقات، وعدم، وجود انسجام، وتفاعل.
سلبيات
العلاقات الاجتماعية الرقمية كثيرة وأهمها: أنها تخفي حقيقة الأشخاص من حيث
الثقافة والمعرفة وقوة الشخصية والمظهر الخارجي للشخص. والأكثر تفاعلًا معها هم
فئة الشباب وهم الفئة التي تحتاج إلى توعية وإرشاد وتثقيف مستمر للاستخدام الأمثل
لهذه التكنولوجيا، ومن سلبياتها زيادة ساعات العمل حيث أصبح العديد يعمل لساعات متأخرة
من الليل نتيجة التكنولوجيا، وأيضا هيمنت مواقع التواصل الاجتماعي على أوقات
الفراغ بشكل كبيرٍ جدًا وصلت إلى مرحلة الإدمان الإلكتروني وتحديدًا عند الشباب
والأطفال، وكذلك من سلبياتها التواصل مع المجتمع الافتراضي غير مقيد لا بزمان ولا بمكان،
وسهولة اكتساب السلوكات الخطأ نتيجة التواصل المستمر. والعلاقات الاجتماعية
الرقمية تسبب الكسل والخمول والأمراض الجسدية المختلفة كأمراض المفاصل، والعظام، والعيون،
والسمنة. والأهم من ذلك تلف في الأعصاب وحالة من التوتر والعصبية والنسيان.
العلاقات
الاجتماعية ببساطة هي نوع من التفاعل والتواصل والاتصال الّذي يحصل بين شخصين أو شخص
ومجموعة، ولها أشكال مختلفة سواء بين الأهل أو الأقارب. والعلاقات الاجتماعية هامة
جدًا لديمومة الحياة ولا يستطيع أي فرد أن يعيش في عزلة أو انفرادية عن مجتمعه،
وكما يقول المثل الشعبي: ” الجنة بدون ناس ما بتنداس”، والعلاقات بشكل عام تهدف
إلى بناء مجتمع متماسك، ومحب، ومنتم لوطنه، وأمته.
العلاقات
الاجتماعية لها جوانب إيجابية عديدة وأهمها الراحة النفسية والنشاط والحيوية
والإطمئنان والأمل والتفاؤل، فمن خلال العلاقات تستمد القوة والعزيمة في البناء
والإنجاز، وتتلقى المساعدة والدعم والتشجيع والتحفيز، ودائما أي عمل لا ينجح إلا
بوجود الجماعة وكما قال النبي محمد صل الله عليه وسلم:” يد الله مع الجماعة”.