سنتحدث وفي عجالة من أمرنا خلال هذه الأسطر القليلة عن شاعر من رواد الشعر الشعبي في منطقة حالمين، حلق بجناحي الشعر في سماء رحبة، راسما أجمل الصور البديعة، أتسم شعره بالرقة والعذوبة والوضوح، أنه الشاعر القدير عبد الكريم قاسم عبيد النسري الذي يُعرف في محيطه الاجتماعي بـ (أبي باسل)، يقول كل ألوان الشعر تقريبا، وللشعر الغنائي نصيب وافر من اهتماماته.
بدأ يقرض الشعر منذ نعومة أضافره، فكان لشخصيته المرحة وعاطفته الجياشة وأحاسيسه الصادقة الرقراقة، انعكاسا مباشرا على شعره، الذي يفيض دررا وجمالية، إذ يمكن الدخول بسهولة إلى عالم قصائده التي تغري المتلقي بجماليتها ونغميتها، فينقاد مهرولا وراء صدق الانفعال والوصف الذي تحويه.
تتسم قصائد الشاعر أبي باسل بالتفرد في صيغها ومعانيها، إذ تجدها مليئة بالانفعالات والتأملات والاستشراقات، النابعة عن حبه الكبير للوطن وتطلعه العريض تجاه مستقبله، حيث يبدو هذا البعد تحديدا خصبا ومتفتحا لدى الشاعر، ففي قصائده الكثيرة بتنوعها، يكرس شاعرنا جل اهتمامه بالتغني بوطنه السليب، ويظهر ذلك بجلاء على صفحة أشعاره الذائعة، التي جعل منها سوطا يجلد به ظهر المحتل الطاغي، فقصائده تفيض بالحديث عن الوطنية والإشارة للوطن وقضيته العادلة التي حملها الشاعر على كاهله، إلى جانب همه في تطوير الشعر الذي سعى حثيثا لبصمه ببصمته الخاصة والمميزة.
تمتاز قصائد الشعر لدى أبي باسل بالإحكام الجيد، وتتشبع كلماتها بالحيوية والجمال، إذ يحس شاعرها بالأمل والمعاناة فيصورها في أدق صورة، ناقلا إياها للمتلقي، الذي يجد نفسه تندفع اندفاعا للغور في أعماقها.
ارتبطت نصوص الشعر لدى أبي باسل بتجربة إنسانية متفردة بأحداثها، عاشها الشاعر في ظل جملة من المنعطفات والتقلبات السياسية التي مر بها بلده الجنوبي، ورافقها الشاعر خطوة بخطوة، فرغم الآمال والتطلعات التي حملها الشاعر لهذا الوطن في صدره الذي يجيش بالحب والأمل، إلا أن سفينة البلد لم تبحر كما خُطط لها، بل واجهت فيضا من العوائق غير المتوقعة، غيرت مسارها، فكان لذلك أثره البالغ في شعر أبي باسل الذي ترجم هموم ومعاناة أبناء شعبه بدرر شعره.
يكتب الشاعر أبو باسل مختلف أغراض الشعر تقريبا، وأود هنا من خلال هذا التناول إن ألفت إلئ الشعر الغنائي الذي حظي باهتمام واسع من لدن هذا الشاعر، ومن نافلة القول لحُنت للشاعر مجموعة من القصائد الغنائية، بينما بقيتها الباقية لم تعرف طريقها إلى النور بعد، ويُرد ذلك إلئ مجموعة من الأسباب من بينها: تراجع الاهتمام بالمجال الثقافي والفني في الجنوب ومحافظة لحج تحديدا، وعزوف الكثير من الفنانيين عن الغناء مع غياب العوامل المحفزة، والإقبال المهووس على ترديد الزوامل والشيلات التي تتصل بطبيعة الصراع الراهن، والمفتقرة في مجملها للضوابط في كلماتها وألحانها.
للشاعر ديوان شعر في الرثاء يحوي على معظم مراثيه، وهو تحت الطبع حاليا، وهناك ديوان آخر في شعر الغزل بدأ العمل مؤخرا على تجميعه وتنظيمه علئ طريق إصداره في كتاب.
تعرض الشاعر أبو باسل للإقصاء كحال الكثير من المبدعين في وطننا، إلا أنه حصل على تكريم متواضع من قبل أبناء مديرية حالمين قبل عام، علاوة عن شهائد وميداليات وجوائز حصل عليها من بعض الجهات، ونأمل من الجهات ذات العلاقة في محافظة لحج داعين إياها للاهتمام بهذا الشاعر ومنحه التكريم اللائق به نظير جهوده في ظل حياته.