لم يعد موت الفلسطينيين أو تشويههم يصدم أحدًا على ما يبدو، بحسب ما ترى أروى مهداوي الكاتبة في صحيفة "الجارديان" البريطانية، فهناك مئات القتلى هنا، وعشرات المحترقين حتى الموت هناك، ومجموعة من الأطفال الذين يموتون من سوء التغذية، ويبدو أن هناك مجزرة أخرى كل يوم لا تكاد تُحدث أي تأثير على الوعي العام، وبعد ثمانية أشهر من القصف المكثف، أصبح أشد المعاناة المدنية بؤسًا أمرًا طبيعيًا بشكل خطير.
وعلى الرغم من أن الناس قد أصبحوا صامدين في مواجهة الفظائع في غزة، إلا أنه يجب أن يكون المرء مكسورًا تمامًا حتى لا يشعر بالصدمة من التقرير الجديد لمنظمة "أنقذوا الأطفال" عن الأطفال المفقودين في غزة. ففي حين يُقدر أن أكثر من 15,000 طفل قد قُتلوا بسبب الهجوم الإسرائيلي المستمر على القطاع، قدرت منظمة "أنقذوا الأطفال" أن عدد الأطفال المفقودين يصل إلى 21,000 طفل.
فظائع صادمة
ووفقًا لما قالت المنظمة: "من المستحيل تقريبًا جمع المعلومات والتحقق منها في ظل الظروف الحالية في غزة"، ولكن بناءً على مدى القصف وكثافة غزة وخصائصها الديمغرافية، تقدر مجموعة الإغاثة البريطانية أن 5,160 طفل يُفترض أنهم أموات تحت الأنقاض، وتضيف المنظمة: "إن أطفالاً آخرين تعرضوا إلى أضرار بالغة بسبب المتفجرات، أو دُفنوا في مقابر جماعية أو غير معلمة، أو فُقدوا في فوضى النزاع، كما احتجزت القوات الإسرائيلية العديد من الأطفال وأخفتهم، حيث أُلقي ببعضهم في مقابر غير معلومة، وانفصل آخرون عن عائلاتهم ومقدمي الرعاية لهم، وهم عرضة إلى الاستغلال".
والأرقام الصادرة عن غزة صادمة للغاية لدرجة يصعب فهمها. فقد قتلت إسرائيل أكثر من 38,000 فلسطيني. وأُصيب ما لا يقل عن 86,477 فلسطينيًا. وقُصفت كل جامعة في غزة. ودمرت قنبلة إسرائيلية 4,000 جنين في مركز للخصوبة في غزة. ويفقد أكثر من 10 أطفال أحد أطرافهم كل يوم، وهناك 20,000 طفل مفقود.
ومن المستحيل الدفاع عن هذه الأرقام، ولذلك، بدلاً من ذلك، حاول المدافعون عما وجدته محكمة العدل الدولية "إبادة جماعية محتملة" تشويه سمعة الفلسطينيين. وكان الهتاف المستمر من المشجعين لإسرائيل منذ بداية هذا القصف هو: "الفلسطينيون يكذبون!". إنهم يكذبون بشأن عدد القتلى. إنهم يكذبون بشأن عدد المفقودين. إنهم يكذبون بشأن عدد الأطفال الذين يموتون جوعًا.
قنابل نووية
ولا يمكن التأكيد بما فيه الكفاية على أن هجوم إسرائيل على غزة ليس مجرد حرب عادية: فقد وُصف بأنه أكثر حملات القصف تدميرًا في هذا القرن. وقد قال الباحثون والخبراء مرارًا وتكرارًا إنهم لم يروا شيئًا مثل هذا من قبل. فبعد شهر واحد فقط من القصف، ألقت إسرائيل أكثر من 25,000 طن من المتفجرات على قطاع غزة، وهو ما يعادل قنبلتين نوويتين، وفقًا للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان. وبسبب التطورات التكنولوجية، قد تكون المتفجرات، التي أُسقطت على غزة ضعف قوة القنبلة النووية.
وبحلول أواخر إبريل، ألقت إسرائيل 75,000 طن من المتفجرات على غزة. وكشف تحقيق أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" في ديسمبر أن القنابل الأمريكية التي يبلغ وزنها 2,000 رطل كانت مسؤولة عن بعض أسوأ الهجمات على المدنيين الفلسطينيين. دعوني أكرر ذلك: تزن تلك القنابل 2,000 رطل. وعندما تنفجر، فإنها تمزق أجساد البشر. ويمكن أن يصل نصف قطر انفجارها إلى ربع ميل. وغزة بحجم لاس فيجاس وأحد أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم؛ حيث إن نصف السكان تقريبًا تقل أعمارهم عن 18 عامًا.
وهناك أيضًا القنابل غير المنفجرة المختبئة في 37 مليون طن من الأنقاض في غزة؛ وهي الأنقاض التي قد يستغرق إزالتها أكثر من عقد من الزمان. وستستمر هذه القنابل في القتل مرارًا وتكرارًا.
وعلى الرغم من ذلك، فإن أكبر قاتل على الأرجح سيكون الجوع، وقد أدانت كل من منظمة هيومن رايتس ووتش وأوكسفام استخدام إسرائيل للجوع كسلاح في الحرب، ووفقًا لأحدث تقرير عن مستويات الجوع في غزة بالشراكة مع الأمم المتحدة، فإن "96 % من السكان - أي نحو 2.15 مليون شخص - يواجهون انعدامًا حادًا للأمن الغذائي بمستويات 'أزمة' أو أعلى".
هل تعتقد أن تقرير منظمة "أنقذوا الأطفال" الذي يفيد بأن 21,000 طفل مفقودين في غزة أمر مروع؟ هل تعتقد أن موت 15,000 طفل أمر مروع؟ انتظروا فقط. لقد تم محو مستقبل جيل كامل بأموال دافعي الضرائب الأمريكيين، وقد قالت وكالتان من وكالات الأمم المتحدة إن أكثر من مليون شخص، أي نصف سكان غزة، من المتوقع أن يواجهوا الموت والمجاعة بحلول منتصف يوليو، إذا لم تنتهِ هذه الحرب، وسرعان ما سيبدو عدد 21,000 طفل مفقود وكأنه لا شيء...