في كل عام، تجتمع دول العالم تحت قبة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك المنبر واحد والأصوات متعددة واللغة الرسمية تُغطيها ترجمات متزامنة لكن خلف كل خطاب هناك قصة وموقف وحسابات سياسية.
هذه السنة لم يكن الحضور الفلسطيني مجرد فقرة على جدول الأعمال بل كان ظل غزة المشتعل حاضراً في كل كلمة وكل إشارة حتى لو حاول البعض تجاهله.
غزة اليوم ليست مجرد جغرافيا صغيرة إنها جرح مفتوح في ضمير الإنسانية.
ومع كل قصف إسرائيلي تُكتب رسالة جديدة للعالم لكنها ليست رسالة سياسية بل رسالة دماء ودموع أطفال فقدوا المأوى والأمان.
وفي المقابل يخرج بعض السياسين ليعلنوا "قلقهم العميق"، وكأن القلق يكفي لإطفاء الحرائق أو منع سقوط صاروخ جديد.
ما يثير السخرية أن دولاً طالما بادرت للمطالبة بوقف إطلاق النار في أزمات أبعد جغرافيًا وأقل نزفًا، تقف عند غزة لتكتفي بالدعوات "لضبط النفس" وكأن المأساة مجرد سوء تفاهم يمكن حله عبر لغة المجاملات.
هذا التناقض وحده كافٍ ليكشف ازدواجية المعايير التي أضعفت مصداقية المؤسسات الدولية وجعلت قراراتها في نظر الشعوب لا تتجاوز الحبر الذي كتبت به.
وفي وسط هذه الصورة الرمادية، يبرز الموقف الأردني بوضوح وقوة.
الأردن، الذي يحمل مسؤولية تاريخية تجاه القدس وفلسطين، لم يكتفِ بالتنديد، بل رفع صوته في الجمعية العامة مطالبًا بوقف فوري لإطلاق النار، وبحماية المدنيين، وبفتح ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة.
لم يكن موقفًا سياسيًا بروتوكوليًا، بل امتدادًا لدور ثابت يضع فلسطين في قلب أولوياته، ويذكّر العالم أن العدالة ليست ترفًا ولا بندًا ثانويًا يمكن تجاهله.
الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام كانت اختبارًا حقيقيًا: اختبارًا للضمير الدولي، واختبارًا لمدى قدرة الدول على ترجمة الشعارات إلى مواقف.
وغزة، كعادتها، لم تكن مجرد عنوان للأخبار، بل مرآة عاكسة تكشف زيف البعض وصدق القلة. وبينما يطغى صوت الصمت على أغلب القاعة، ظل صوت الأردن حاضرًا، يقول بوضوح: لا سلام يُبنى على أنقاض غزة، ولا عدالة تتحقق بدموع أطفالها.