حين تُعرض صفقة سياسية أو وقف لإطلاق النار، تكون القراءة الحقيقية ليست في النصوص المكتوبة، بل في موازين القوى التي تفرضها. الصفقة الأميركية الأخيرة، التي وضعت شرط تفكيك القدرة المسلحة، جوبهت برفض حماس وتعديلات تحفظ الكرامة والوجود الفلسطيني. القبول بهذه الصيغة قد يتحول إلى استسلامٍ مقنّع، بينما الرفض يفتح باب استمرار الحرب وما يرافقها من نزيف يومي.
المعادلة أعقد مما يقدمه محللو الفضائيات الذين يتحدثون عن تراجع المقاومة وكأنها أرقام في ميزانية. الحقيقة أن غزة ليست معركة إحصاءات، بل ساحة وجودية تُدار تحت الأرض كما فوقها، عبر أنفاق، قدرات لوجستية، ورشقات صاروخية تدل على بقاء العقل التنظيمي. الأهم أن المجتمع الغزي نفسه بات خزانًا بشريًا للمقاومة، يغذيه فقدان العائلات ومشاعر الثأر، وهو ما يحوّل كل خسارة شخصية إلى وقود إضافي.
لكن المتغير الخارجي لا يقل خطورة: الحضور العسكري الأميركي في المتوسط، تحشيد قاذفات بعيدة المدى، وإشارات إلى استعدادات غير تقليدية، كلها مؤشرات تجعل السيناريوهات أكثر هشاشة وأقرب إلى الانفجار.
في هذه اللحظة، يبرز الدور الأردني بحنكته ورؤيته المتوازنة، إدراكًا أن غزة لن تستسلم بسهولة، وأن استمرار الحرب سيجر المنطقة إلى صراع طويل الأمد.
السيناريوهات المقبلة إذن تنحصر بين قبولٍ هشّ بلا ضمانات حقيقية، أو رفض يقود إلى دورة عصابات طويلة، فيما يظل مستقبل غزة مرهونًا بميزانٍ دقيق بين المقاومة والضغط الدولي، وبين واقعية الأرض ووهم الصفقات.