إنها لَمفارقة موجعة أن نرى الثناء على الأردن يأتي خجولاً، أو مغلفاً ببروتوكولات لا روح فيها، بينما الحقيقة الساطعة هي أن المملكة وشعبها النبيل لا ينتظران أي اعتراف من أحد على موقف عزّ وشرف أو تضحية ثابتة. مواقفنا ليست بضاعة نبيعها مقابل "شكراً"، بل هي تعبير أصيل عن ميثاق أخلاقي ووطني لا يلين.
أصالةٌ تلومُ الضمائر الغائبة
كيف تتوقعون أن يتصرف شعبٌ جُبل على الوفاء، وترعرع في كنف الشهامة والنخوة والتضحية؟ هذا الإرث ليس مجرد حكايات، بل هو الجوهر الصلب للهوية الأردنية. شعبنا لم يعرف يوماً التخندق في خندق الخيانة أو التلون مع المصالح الزائلة. في قاموسنا القيمي، جحود الصنيع ليس من المروءة، والوقوف إلى جانب الحق هو التزام فطري لا يملك الأردني أن يحيد عنه.
لقد وضع الأردنيون قضايا أمتهم فوق أي اعتبار مادي أو جغرافي، وكانوا دائماً صمام الأمان والدرع الحامي للكرامة. نحن من يدفع الثمن مقدماً، دون أن نلتفت إلى حسابات التكلفة الرخيصة، لأن قيمنا تفوق كل ميزان. أما أن يتم التعامل مع هذا النبل لاحقاً بالصمت أو الإنكار، فهذا ليس سوى وصمة عار على جبين المتنكرين.
سخرية الثناء الباهت وفشل المواجهة
إن من يتوهم أن قيمة الأردن تقاس بـ"تصفيق خفيف" أو "كلمة شكر باردة" هو إما ساذج أو متجاهلٌ متعمد. موقف الأردن الشامخ هو وثيقة تاريخية مكتملة الأركان، لا تحتاج توقيعاً منكم لتصبح حقيقة.
في الواقع، غالباً ما يكون هذا الثناء العابر بمثابة قناع يخفي العجز والتهرب من المسؤولية الحقيقية. إنه محاولة يائسة للتغطية على جذور المشكلة التي أجبرت الأردن على أن يكون في الطليعة.
ما يميز هذا الوطن هو أنه يرفض المساومة أو الابتزاز بمواقفه. هو يتقدم بخطى ثابتة، يضحي بما لديه، ثم يمضي مطمئناً، مدركاً أن مكافأته الحقيقية هي صفاء الضمير الوطني والارتقاء عن سفاسف المصالح الشخصية. فليراجع المتخاذلون ضمائرهم وليقارنوا!
حكم التاريخ لا يُردّ
إن المواقف التي تُبنى على المبادئ هي وحدها التي تصمد أمام الزمن؛ أما مواقف المصلحة، فمصيرها الزوال والنسيان. التاريخ سيقول كلمته الفصل، وسيسجل بوضوح شرف موقفنا ومرارة خذلانكم. التضحيات توثق نفسها بنفسها، ولا تحتاج إلى إذن أو تصريح.
الأردن سيبقى ثابتاً على عهده المتجذر، وفياً لذاته ولقضايا أمته. فلتتوقف كل الرهانات الساذجة على تراجعنا. فموقفنا لم يُخلق ليُهدى إليه الشكر، بل ليُصبح إرثاً من الشرف لا يستطيع النكران أن يمحوه.
حفظ الله الأردن عزيزاً أبياً، في ظل قيادته الهاشمية الحكيمة.