نيروز الإخبارية : وصفة المديونية لمعالجة التطرف...فهد الخيطان.
نيروز الاخبارية: كل ما يمكن أن يقال أو يكتب في تشخيص ظاهرتي التطرف والإرهاب قيل وكتب، لكن مع كل عملية إرهابية أو مواجهة مع الفكر المتطرف وأصحابه، خاصة في الأردن، يدخل الشك لعقولنا وقلوبنا بدقة وصحة هذا التشخيص.
حاولت دراسة معمقة للأستاذين موسى شتيوي ومحمد أبو رمان سبر أغوار الظاهرة 'الجهادية' في الأردن وتفكيكها عبر قراءة واسعة لنماذجها المختلفة، وخلصت إلى عدم صحة الصور النمطية السائدة عن هوية المتطرفين وأسباب التطرف.
والأمثلة الحية لعشرات الخلايا الإرهابية التي تم ضبطها خلال السنوات السابقة، زكت ذلك الأمر.
الظاهرتان، كما تؤكد الوقائع، عابرة للطبقات الاجتماعية والمستوى التعليمي ولا صلة لها بمشكلات مجتمعنا من بطالة ومحسوبية وغياب العدالة، ولو كانت حقا هذه هي الأسباب لشهدنا مئات الملايين من الجياع والمعدمين حول العالم يتحولون إلى انتحاريين وإرهابيين.
أمس، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صورا لما وصف بأنه قائد خلية السلط الإرهابية. إحدى الصور يظهر فيها وهو يقف إلى جانب سيارته من نوع مرسيدس، وصور أخرى تؤكد من مظهره ولباسه أنه ليس فقيرا ولا معدم الحال بل يرتاد مراكز اللياقة البدنية، ويتفنن في لباسه.
كثر يحملون الدرجات العلمية الرفيعة، ويعملون بوظائف محترمة، تركوها خلف ظهورهم وانضموا للجماعات الإرهابية. لا نبالغ إذا قلنا اليوم إن هناك الآلاف وربما أكثر بيننا يحملون الفكر المتطرف، ومثلهم وأكثر يعادون قيم التنوع والتعددية واحترام الآخر، ولا يفصل بينهم وبين الانتقال من مرحلة التطرف الذاتي إلى الممارسة الفعلية والقيام بأعمال إرهابية ضد مجتمعهم، سوى خطوة صغيرة، كتلك التي أخذت المئات مثلهم لتنفيذ عمليات إرهابية أو التخطيط قبل أن يقعوا في قبضة الأمن.
خطط واستراتيجيات مكافحة التطرف بمستوياتها التعليمية والثقافية والإعلامية والدينية، استندت لمقاربات خاطئة وانطباعات سائدة سقطت في الاختبارات العملية، فقد ركزت على القشور وتجاهلت البذور. ولو قام فريق بحث متخصص اليوم بقياس الأثر الذي تركته هذه الخطط في الواقع الاجتماعي لخلص إلى نتيجة مخيبة؛ إذ تكفي الدلائل الظاهرة للعيان للجزم بأن أفكار التشدد والتطرف ما تزال تنمو وتتمدد بشكل واسع ولم تفلح البرامج كلها في الحد منها أو احتوائها.
ويمكن هنا الإشارة إلى ما قاله كبار المسؤولين الحكوميين والأمنيين عن خلية السلط الأخيرة، بوصفها خلية حديثة المنشأ ولا صلة لأفرادها من قبل مع الجماعات التكفيرية المعروفة للسلطات.
وإذا رغبت السلطات بمعاينة الفشل في استراتيجيات مكافحة التطرف، فلها أن تشرع على الفور بدراسة خلية السلط كنموذج مثالي لجيل جديد من المتطرفين الإرهابيين، وحالة يمكن القياس عليها لتيار عريض ينمو في جوف المجتمع.
بعدها يمكن التفكير بمقاربات جديدة كليا للتعامل مع الظاهرة بشجاعة وجرأة، تتولى خلية تفكير من بضعة أشخاص التأسيس لها، ومن ثم اشتقاق سياسات وخطط عمل سنوية لمواجهة المشكلة الأساس من دون تنظير كثير ومؤتمرات فارغة ومجاملات فكرية وسطحية.
منسوب المشكلة فاض على حده مثل مشكلتنا مع المديونية نسبة للناتج المحلي الإجمالي، فكما وضعنا خطة لخفض المديونية على سنوات، ينبغي فعل الشيء ذاته مع مشكلة التدين المتطرف، لخفض منسوبها إلى الحدود الآمنة وطنيا.
الغد