نيروز الإخبارية : نيروز الإخبارية.
بقلم: الصحفي عامر العمرو.
على عتبات الزمن جلس خلف وهو طفلٌ صغيرٌ يحمل في روحه وصايا الراحلين، وبين يديه الطفوليتين يقلب صفحات كتاب الوطن الذي احتضنه بحب وحنان، يفترش رمال الصحراء، ويعرج بساقين تسابقان الريح فرحاً يسطر أنشودة وطنية، فوق وهاد البادية وهضابها، التي كانت مهده الأول، ومدرسته الأولى، يأخذ من صفائها سلوكاً ومنهجاً، ومن هوائها النقاء، وتغرس في أعماق وجدانه دروس التضحية والفداء.
ومنذ خطواته الأولى تمسمرت نظراته في عليائها تلتصق بسارية العلم الذي حفره في فؤاده، يرفرف بزهو في الذرى، يحمله في كل مكان، وكأنه يريد أن يحلق به في سماء الدنيا فخراً واعتزازاً.
ومن الدرس الأول لخلف عن الجندية ونشيد (يا جيشنا يا عربي) عشق الفوتيك، ولباس القوات الخاصة، ليغادر مكانه ويلتحق بالعسكرية التي أصبحت جزءاً من تكوينه الروحي، وعشقه، ليصبح من طويلي الأعناق، يرفع هامته بشموخ بالتاج الذي يعلو البورية العسكري ... وأدرك في مصانع الرجال في الجيش العربي أن العلم مفتاح التقدم والرقي والنصر، فالتحق بعد أن أمضى ردحاً من الزمن يمسح بروحه كل ساحات تراب الوطن جندياً أميناً صادقاً من أقصى جنوبه إلى حدوده الشمالية.
وبعد أن أنهى واجباته الوطنية، التحق بالجامعة ليحصل على البكالوريوس بالمرتبة الأولى، وفي الماجستير يفوز بالدرجة الأولى مرتبة الشرف، وفي الدكتوراه شهدت ساحات جامعة القاهرة صوت رئيس اللجنة معلناً أن الطالب خلف الحمّاد استحق بجدارة درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى.
ولم تسجل مسيرة الدكتور خلف الحمّاد أنه تخلف عن واجب مهني أو وظيفي خلال مسيرته جندياً يحرس حدود الوطن، ويسهر على حمايته بعين يقظة، ويرسم بعقل ثاقب استراتيجياته الوطنية المستقبلية، ويسبر حدود المكان والزمان بسلطان العلم والمعرفة، وهو أول من لبى النداء ليكون الجندي الصادق الوفيّ عندما اختير مراقباً دولياً في كمبوديا ضمن قوات حفظ السلام الدولية يقدم واجباً إنسانياً بكل كفاية واقتدار، ولم يسجل عليه أحد خلال خدمته في القوات الدولية أنه تقاعس يوماً أو تكاسل عن واجباته العسكرية في خارج الوطن وداخله، ويسخر كل طاقاته وإمكاناته لخدمة الوطن والأهل والعشيرة، بل عزز بوفائه جدار الولاء والانتماء في وجدانه، ولم يكن إلا في خندق الوطن، وعُرِفَت مسيرتُهُ بشدة الولاء والانتماء والحكمة.
الدكتور خلف الحمّاد الذي أصبح مرجعاً وطنياً ووجهاً عشائرياً اجتماعياً، تلقى دروساً في الحكمة والحلم والكرم والقيادة والسيادة في ديوان والده رحمه الله، الذي اشتهر برجاحة عقله، وغزارة معرفته، وسخاء يده وكرمه، وقدرته على حل الخلافات، ووطنيته وحسه العروبي الإنساني، ولعل هذه أهم مؤسسة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي صاغت عقل الدكتور خلف الحمّاد وشخصيته، وساهمت في أن تقوي بصيرته، وتؤطر شخصيته، وتغنيها، فأخذ يتقدم الصفوف بين أقرانه على مستوى القبيلة، أو زملائه في الجامعة على المستوى الوطني، أو على المستوى العربي في القاهرة، وعاد خلف الحمّاد، وقد ارتوت روحه بغراس الولاء والفداء للوطن، من مؤسسته الأولى (الأسرة) التي ارتوى من ينابيعها الصافية قيم العروبة الأصيلة، ومن تجارب مجلس والده التي شكلت له أكاديمية تطل على قيم الأخلاق الأردنية العربية الأصيلة، فاشتد عوده وتحصن إطاره المرجعي، وتعزز إيمانه العميق ليمضي قدماً بعهد الوفاء والولاء لأهله وناسه وقيادته الهاشمية، كيف لا وقد صاغ وقوى شخصيته المدرسة الثانية في مصانع الرجال جندياً من جنود الهاشمين في أجهزتنا الأمنية، لينذر نفسه وماله ووقته يمشي بين الناس، ويقدم لهم كل ما لديه من طاقات وإمكانيات لمساعدتهم ما أمكنه على حلها وتخطيها.
الدكتور خلف الحمّاد الذي اكتملت روحه، وتشكلت وتكونت من ذرات تراب الوطن، بعد أن نشأ وترعرع في بادية الولاء معقل الرجال، بين قبيلة حمر النواظر بين أسود بني صخر، وأفنى حياته حارساً أميناً على أمن مؤسساته، يعود يحمل سلاح العلم والمعرفة من قاهرة المعز، ويحمل كل شهادات الإبداع والتميز، مؤمناً إيماناً مطلقاً بأن تلك المنارات والمؤسسات التي بات يحرسها ليل نهار لا بدّ أن تفتح أبوابها لفلذة كبدها، وفي صدره العلم الوفير، وبإيمانه تحقيق حلمه أن يستمر في خدمة وطنه ومليكه وأبناء وطنه بسكب نور العلم والمعرفة لديهم.
حقيق بنا أن نفتخر بقصة النجاح والعشق هذه، وواجب على مؤسساتنا الرسمية والأكاديمية أن تفيد من خبرة الدكتور خلف، الذي يُعد نموذجاً في الطموح والتمييز.