نيروز الاخبارية.
بقلم العميد الركن المظلي المتقاعد عارف الزبن.
عندما قرات مقال جلالة الملك اوقفتني فقرة " إن التعامل مع حادثة البحر الميت المؤلمة يتطلب الوقوف على أوجه الخلل والتقصير، ومحاسبة كل من تثبت مسؤوليته، واستخلاص الدروس، حتى نتجنب مثل هذه الحوادث المؤلمة مستقبلا، ويستدعي أيضا نظرة فاحصة وشاملة لحجم وطبيعة التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي" انتهى الاقتباس، اردت ان اتفاعل على صفحتي بهذا الامر لان لي في هذه المنطقة ذكرى اليمة وذكرى جميلة ، فالذكري الأليمة ان اول قائد سرية تشرفت بالخدمة معه النقيب علي موسى العدوان استشهد في وادي الموجب، و استشهد الرائد احمد هارون وضباط من الكلية العسكرية الملكية دورة ٢٣ ،وفي الاسبوع الماضي فقدنا ٢١ شهيدا رحمهم الله جميعا ، اما الذكرى الجميلة فهي ساعتين امضيتها مع جلاله الملك في مغامرة اطلعت الشيب في راسي.
اما ذكرياتي الجميلة مع البحر الميت وبالتحديد منطقة الموجب، فتعود لعام ٢٠٠٠ عندما استضاف جلالة الملك عبدالله الثاني اقوى المحطات العالمية قناة ديسكفري Discovery Channel التي يشاهدها ما لا يقل عن مليار انسان في العالم ليسوق البلد سياحيا. حتى ان جلالة الملك سمى منطقة وادي الموجب ب جراند كانيون الاردن Grand Canyon نسبة الى منطقة جراند كانيون المشهورة في أمريكيا التي يزورها مئات الالاف من العالم ، حيث كانت مشاركة جلالة الملك شخصيا في البرنامج الوثائقي هي ما جعلت القناة تسمي برنامجها باسم الرحلة الملكية The Royal Tour with King Abdullah .
وعند الوقوف على استخلاص الدروس لابد للإنسان ان يكون قد مر بتجربة للوقوف على نقاط القوة ليقويها، ونقاط الضعف ليتفاداها وليستخلص منها الدروس ، في ذلك البرنامج تشرفت ان أكون الضابط المسؤول عن فقرة التصوير في البحر الميت عندما كنت قائدا لكتيبة مكافحة الإرهاب /٧١ ، وبعد وصول جلالة الملك وفريق ديسكفري من التصوير في وادي رم ومدينة البتراء بالطائرات العمودية ،استقبلنا جلاله الملك في منطقة الموجب من جهة البحر الميت ، فجلس سيدنا في مسيل المياه وكانت المياه العذبة تكاد تصل الى منطقة الصدر ،عندها طلبني ان اجلس بجانبه لحين ان يقوم فريق التصوير بأجراء الترتيبات النهائية للتصوير. وقبل انطلاقنا للمغامرة نظر الى ضباط الحرس الملكي الخاص المرافقين معه، وقال لهم كيف سباحتكم؟ وكان حينها الرائد ياسر مبارك المناصير المرافق الخاص لصاحب الجلالة، فقال جلالة الملك " السباحة في هذه المنطقة بعد ما ندخل صعبة جدا، لأننا سنسبح بعكس التيار، وانا فقدت في عام ٨٧ صديق لي النقيب على موسى العدوان (رحمه الله) عندما كنا في تدريب في هذه المنطقة، وإذا واحد منكو سباحة ضعيفة بلاش يدخل، فقط يدخل غطاسين الكتيبة ٧١ "وطلب من الجميع بعدم الدخول باستثناء الرائد ياسر المناصير. قبل ان ندخل المنطقة كنت قد اخترت افضل الغطاسين وهم الملازم سعيد المفلح، الوكيل محمود شطناوي (أبو خشبه) ، العريف عثمان ملكاوي ، العريف خالد الملكاوي ، الرقيب عبدالقادر البريشي ، والرقيب صبيح مفلح القراله . وقمت بتقسيم الفريق فريقين، فريق مع جلالة الملك يدخل من جهة البحر الميت. وفريق مع سمو الأمير هاشم بن الحسين يدخل للموجب من جهة السد لنلتقي عند الشلال.
وبعد تجهيز فريق ديسكفري للكاميرات قام جلالة الملك بالتأكيد عـلى احتياطات الأمان ، والتأكد من اننا جلبنا معنا الحبال اللازمة للتسلق وفرشات النجاة ، وذلك خوفا على سلامة الفريق ، عندها عرفت ما نحن قادمين عليه من خطورة ،ان يقوم الملك بالمحافظة على حياة الحرس الشخصي له بإبعادهم عن الخطر ، وحتى الطبيب الخاص الذي يجب ان يقوم بتامين الرعاية الطبية للملك قال له جلالة الملك " دكتور انت خليك هون واعطينا الادوية ،انا اعرف اضرب ابر وعارف متدرب على كيف يعطي ابره و مغذي واذا انقرص أي واحد احنا نعالجه (كون المنطقة يكثر فيها النحل والدبابير) وانت بس اعطينا المغذي والادوية وخليك هون ". حتى مخرج الحلقة بيتر قرينبيرق Peter Greenberg قال له جلالة الملك "المنطقة تستحق المغامرة ولكن بإمكانك البقاء هنا ".
اردت ان اذكر هذه القصة وأقول ان جلالة الملك الذي هو من المدربين بمهارات القوات الخاصة أصلا قام بالتفقد والتأكد من احتياطات الأمان على الرغم من ان الفريق الذي رافقه في تلك الرحلة في سد الموجب هم أيضا قوات خاصة مدربين ومجهزين بمعدات وحبال وجاكيتات نجاة. وفي الختام اردت ان استخلص من حادثة البحر الميت الدروس التالية لعل هناك من يقرأ:
1. يجب على الحكومة تركيب أجهزة انذار مثل أجهزة الإنذار المخصصة للكوارث وكذلك اضويه باللون الأحمر قبل جسر الموجب، على ان يتم تفعيلها عند زيادة منسوب المياه او في حال كان هناك خطر على قدرة تحمل السد.
2. ان تكون محطة الشرطة في منطقة السد ومنطقة البحر الميت على اتصال دائم.
3. ان يتواجد منقذ سباحة على مدار الساعة Lifeguard لحالات الغرق.
4. ان لا يتم السماح لأي شخص بالدخول بدون مرافقين مدربين ومزودين بالمهمات اللازمة لمثل هذا النوع من المغامرة ويكونوا مزودين بأجهزة اتصال مع الدفاع المدني والإنقاذ.
5. ان يتم تركيب كشافات هالوجين تستخدم عند الحاجة.
6. عندما يكون هناك تشكيل لهيئة تحقيق في مثل هذا النوع من الحوادث ان يخصص برنامج تلفزيوني للاستماع الى اقوال الشهود وبأسرع وقت، ويكون هناك اجابات (شفافة وشافية) من الحكومة على اقوال الشهود، وخير مثال ما نشاهده في أمريكيا عندما يقوم مجلس الشيوخ بالتحقيق في أي قضية تبث على قنوات تلفزيونية لكي لا يكون هناك مجال للإشاعات.
7. ان يكون لدى مركز إدارة الازمات خطط تفعل بشكل فوري لمثل هذا النوع من الحوادث.
8. ان تكون هناك لجنة او هيئة للدعم النفسي والاجتماعي للتواصل مع الأهالي، فالأهالي والطلاب من المدرسة هم من كانوا بأمس الحاجة الى مثل هذه اللجان لإخراجهم من الحالة التي كانوا وما زالوابها.
9. فما اوجع قلب كل أردني ان يكون الأهالي عند الطب الشرعي في الشارع ينتظرون من الحكومة أسماء وتعرف على الجثث ،حيث كان الاجدر ان يقوم مركز ادارة الازمات او الحكومة ان تعلن عن رقم هاتف للتواصل من الأهالي.
وفي الختام أقول حما الله الأردن ملكا وشعبا
داعيا المولى الرحمه على ارواح الشهداء وراجيه ان لا تتكرر اخطائنا بروح ابنائنا