نيروز الإخبارية : نيروز الاخبارية ..المهندس عزدين الفضول
بعد الدوام في مدرسة حكومية لأكثر من عشرين عاما، تبعد المدرسة 20 كم عن بيتي، سأخبرك أيها الرجل الخبير بتنمية المال والرجال: لماذا أضطر للغياب عن العمل!
لأن مركبتي الصغيرة اطاراتها مهترئة، وأضطر لانتظار نهاية العام عل التحويشة تسعفها، وكلما بدا "الحليت" يطل صباحا، تزحلقت مركبتي رافضة هذا الدوام.
لأن مركبتي القديمة ليس فيها مكيف، وفي الشتاء، بخار معاناتنا يلتصق على زجاج المركبة الأمامي. فأضطر لإخراج رأسي من النافذة في البرد القارس والضباب الكثيف لأرى طريقي الضيق.
لأن غبار الطريق التصق بزجاح المركبة، وعندما بعثت بماء المساحات على الزجاج، تجمد الماء وانعدمت الرؤية، فوقفت منتظرا بعض الدفء.
لأن مركبتي أصبحت مهلهلة مع حفر الطريق ومطبات بلا اشارات، وأكل عليها الدهر وشرب، وكلما مشيت قليلا نزلت لأتفقدها وأشدد براغيها وأقرأ عليها المعوذات.
لأن مركبتي الملتصقة بالأرض، لم تستطع السباحة في سيل يرتفع أكثر من نصف متر، فتوقف محركها، ونزلت ومن معي نغرس أقدامنا في الوحل، وأيدينا تدفشها لانقاذ ما تبقى منها.
لأن الرؤية عندي أصبحت ضبابية بسبب أخطاء طبية في مستشفياتنا الحكومية، وعندما تلتصق غيوم السماء بالأرض. أنتظر فرج السماء وبعض شعاع من الشمس.
لأني ألاقي الأربعة فصول في طريقي ذهابا وإيابا، فتتبدل الأجواء، ولا أعرف هل أكثر من الملابس أم أخففها، فأتعرض للفحات البرد والزكام وكثرة الأمراض.
لأن زوجتي وأولادي ووالدي ليس معهم سائق يرافقهم في مراجعاتهم الطبية، فأضطر للتعطل عن العمل والقيام بواجباتهم.
لأن دوائرنا الرسمية لا تستجيب على الهواتف، وحكوماتنا الالكترونية كلام بلا تطبيق، لا بد من المراجعة الشخصية لدوائر تبعد مئات الكيلوات.
لأنه إذا مات لنا قريب، نحن نقوم بتجهيزه وغسله وتكفينه، ومواراته التراب، وعمل واجبات العزاء...
لأننا نبيت مع مرضانا في المستشفيات الحكومية، نقوم على خدمتهم، ونعمل على رعايتهم، وأحيانا قد نعطيهم الحقن..
نحن لا نحب الإجازات، فهي تثقل كاهلنا، وتزيد أعبائنا المالية والنفسية، وأعمالنا الرسمية تتكدس بانتظارنا، لكننا يا صديقي الختيار في دولة حلبت مواطنها حتى جف ضرعه، وعصرت دماغه حتى جن عقله، فنحن نعمل ببعض بواقينا، ومن يعمل يموت واقفا في سن الشباب، أو تفتك به أمراض لا تجد لها علاجا في مستشفياتنا الحكومية، فيضطر للعمل ببعض ما تبقى منه.
لا أحسدك على صحتك ومالك وعقلك، ولكن لا تنظر للناس بمقاييسك، ولا تضعهم على مسطرتك الذهبية، فالانسان لا يتكون من تروس وجنازير ولوحة الكترونية.