نيروز الإخبارية : نيروز الاخبارية
الدكتور عديل الشرمان.
تحية والف تحية إلى الشعب المصري الشقيق، وانا ارصد تعليقات ولقاءات المواطنين المصريين عبر الفضائيات ووسائل الإعلام المحلية منها والدولية المحايدة على حادثة القطار الأليمة لحظة وقوعها، وفي الوقت الذي من المفترض أن تكون فيه الانفعالات على اشدها وخاصة وقت ومكان وقوع الحادث، كانت المفارقات حيث التعليقات والآراء وردود الفعل خالفت في معظمها التوقعات، كم شعرت وانا اتابع اللقاءات وردود الفعل والتعليقات أن هذا الشعب يستحق الحياة، وما زال المصريون هم المصريين الذين عرفناهم وعرفهم التاريخ يدافعون عن بلدهم، يختلفون فيما بينهم ، يتصارعون في الآراء، لكنهم يجتمعون على محبة بلدهم وتعظيم انجازاتها وايجابياتها، ويبعثون برسائل الى العالم مفادها أنهم حتى في أوقات الشدة والمحن مؤدبون في الفاظهم، متزنون في اقوالهم، معتدلون في أفعالهم لا يختلفون على انتمائهم ومحبتهم لبلدهم ولا ينتقصون من مكانتها وسمعتها، ولا من جهود مؤسساتها مهما كانت الأخطاء ومهما كان حجم التقصير، ومهما كان عظم الفاجعة، وكأنهم لو يموتون جوعا، ومهما واجهوا من تحديات وصعوبات وضنك في العيش لن يساوموا على وطنهم، ولن يقبلوا بأقل من أن تبقى صورة وطنهم بيضاء نقية، ومحلا للتباهي والتفاخر بين الشعوب والأمم.
اثناء زيارة إلى دولة هاييتي قبل أشهر، والتي يعاني شعبها الفقر والجوع والبطالة، وأثناء مسيري في أحد الشوارع في حدود الساعة الثامنة صباحا لفت انتباهي مشهد يثير الدهشة والاستغراب والفضول، لحظات حتى توقف المواطنون في الشارع وكأنهم خشب مسندة، وتوقفت حركة السير، وكل شيء تحول إلى جماد بلا حياة، لا ترى شيء يتحرك، ما حدث اكثر دقة، وفيه من المبالغة اكثر من وقوف الناس دقيقة الصمت بعد حدث أو مصاب جلل، لقد كان السبب في ذلك أن المواطنين قد سمعوا صوت السلام الوطني يعزف في الطابور الصباحي في إحدى المدارس المجاورة، وهي عادتهم وسلوكهم في كل مكان من هاييتي عندما يسمعون صوت السلام الوطني، حيث يعبرون بذلك عن حبهم وولائهم وانتمائهم لوطنهم مهما جار عليهم يبقى في نظرهم عزيزا شامخا وخطأ احمر لا يرمونه بكلمة، ولا ينتقصون من مكانته وسمعته تحت اي ظرف من الظروف.
لو راجعنا ما يجري في الدواوين عندنا، وفي المجالس، وخلف الكواليس، وما تتضمنه التعليقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وردود الفعل على الحوادث التي تقع، والآراء حيال مختلف القضايا، وما نستخدمه من مفردات، وطرقنا واساليبنا في الحوار، حتما نشعر بالخجل الشديد على ما حل بنا، والتحسر والندم على ما آلت إليه اوضاعنا، وقد كنا على مدى التاريخ الاكثر تميزا، ومنبعا للاخلاق والولاء والانتماء، ومنارة للعلم والمعرفة ومنهلا للأدب والذوق الرفيع.