البدو أصل العرب ومادة الإسلام وهم مجموعة من القبائل والعشائر العريقة عاشوا حياة شاقة مضنية مثقلة بظروف الطبيعة القاسية, امتهنوا التنقل والترحال على ظهر سفينة الصحراء, بحثاً عن مصادر المياه والروض العشيب, يعشقون الكرم والشجاعة والحرية, ومضارب بيوت الشعر بليلها وهيلها وسيوفها وخيلها, تكتحل عيونهم بعجاج السنين, يفترشون الرمل ويلتحفون بالنجوم, يتابعون أخبار المطر خلف برق سرى, ورعد دوى, وغيم بدا, فنشأت مجتمعات قبلية محافظة لها قيم فاضلة وشيم صارمة, اعتمدت "الجلوة" في قضايا العرض والقتل, كأداة ضبط اجتماعي, وعقوبة تأديبية, ونفي خارج الديرة, اصبحت تقاليد سائدة وعادات ملزمة في ظل فراغ سياسي وفراغ أمني قبل قيام الدولة, إلى أن جُمع هذا العلم من صدور الرجال كقانون للعشائر في بدايات تأسيس الدولة, يطبق على قبائل الحضر وقبائل البدو, ويعتمد عليه في فض القضايا العشائرية بشكل عام, وتعترف به السلطة القضائية والأجهزة التنفيذية , ويعتبر سنداً ومكملاً ورديفاً للقانون المدني.
أُلُغي قانون العشائر عام 1976 نظراً للتطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي, كون أبناء العشائر والقبائل أصبحوا جزءاً من خريجي جامعات السوربورن وهارفرد ومن سواعد الحكومات الإلكترونية, ومن عوامل بناء النهضة الحديثة, والاقتصاد الرقمي, وبالرغم من كل هذا ما زلنا نطبق روح القانون, ونجبر عشيرة المجرم على "الجلوة" بحجة الحماية والاحتواء, وامتصاص "فورة الدم" والحيلولة دون تفاقم الموقف, ومنع انتشار الحريق.
الباطل في الموضوع أنها عملية إجبار على النزوح والتشرد والهجرة وعقوبة جماعية وانتقام, وثأر من أناس أبرياء أغلبهم نساء وأطفال وكبار السن, إنه في الواقع انتهاك لحقوق الإنسان, وتواطؤ اجتماعي, ورضوخ أمام سلوك يتنافى مع المكانة المرموقة للدولة, والسؤال الصعب: أين موقع "الجلوة" في وطن الدولة المدنية؟ دولة المواطنة والعدالة والمساواة وهيبة القانون, وسلطة المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية, الحماية لا تتحقق بالنزوح داخل الوطن, ولكن تتحقق بفرض قوة القانون بحزم وحسم على جميع الأطراف في أماكن سكناهم, "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
هذه جرائم بشعة وآثمة وفضيعة واعتداء على حق الحياة, وإزهاق للروح, هذا يتطلب قانون مستمد من دين الوطن, قانون صارم غير قابل للانحناء, ولا خاضع للاجتهاد, منزه عن الظلم, وذلك من خلال القصاص العادل من المجرم, لتحقيق قوة الاستقرار, والردع والوقاية وتجفيف منابع الجريمة, قال تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) سورة البقرة, الآية (179).