عامٌ مضى مُراً مُظلماً موحشاً بطئياً ثقيلاً وأنت لست بيننا فيه ، عامٌ ليس كالأعوام مملاً طويلاً، وسنة كبيسة حبيسة مخيفة مرعبة ليست كالسنوات فيها الحزن والوباء والبلاء والابتلاء وكان أشده على أُسرتك وأهلك فراقك يا حبيبنا، كنت ولا زلت أذهب الى قبرك يأخذني الشوق إليك أحدثك بكل ما حصل وماجرى وبكل ما تحب وأستعيد ذكرياتي معك ورحلات الحج والعمرة بمعيتك الطاهرة والوالدة الحبيبة أطال الله بعمرها ، ذهبت الى مكانك مراراً الى البيت الكبير الى غرفتك ،الى سريرك، متلهف دون وعي وملهوف علني أجد ذلك الشيخ الجليل الجميل الوادع ذا المهابة والسكينة والحبور ونقاء السريرة وبهي الطلة وقوي الحضور صاحب الرأي والشور، ذهبت إليك كعادتي علني اشم عطرك و أشاورك وتنصحني وتوجهني للرشد وتدلني على الطريق كما في كل حياتي لم أجدك ياوالدي ، واختلطت علي الأمور وادلهمت وكثُر الضباب ولم تتضح الرؤية، لكني فيما بعد صرت أعرض عليك كل قضيةٍ او أمرٍ كأنك حاضراً وحياً ترزق وأستحضر نهجهك وطريقة حياتك وتفكيرك وعدلك وورعك وبُعد نظرك واستقامتك وعرفت الإجابات وسلك طريقي، فجزاك الله عنا خير الجزاء فما زلنا وسنبقى نسترشد طريقك المستمد من الإسلام العظيم و من هدي رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم
يا أبي
غادرت هذه الدنيا الفانية والتي كنت بعتها لأجل آخرتك ولم تتمسك بها وتمسكت بصلاتك وقيامك وصيامك ومصحفك ونهج حياة قويم مبني على العدالة وحب المساكين وافشاء السلام وإطعام الطعام وصلة الأرحام والعطف على الانسان والرحمة بالحيوان ، وما يرضي الله بكل حركاتك وسكناتك وحتى آخر أنفاسك وأنت تنطق بلا اله إلا الله.
كنت مدرستنا قبل المدارس وجامعتنا قبل الجامعات ومعلمنا الاستقامة في الحياة، علمتنا أن نحب الجميع ونساعد الملهوف وذا الحاجة وان نمشي في حاجات من نعرف و من لا نعرف، وأن لا نبغي ولا نظلم ولا نعتدي ، وأن نصلح ولا نفسد ولا نفتن ولا نغتاب ولا نلمز ولا نهمز ولا ننم ولا نحسد بشراً ، ولا نأكل حراماً ولا نكره أحداً وأن نساعد ونبذل ونعطي ونعطي ولا نأخد لأن العطاء فيه الفلاح والسعادة.
علمتنا يا معلمي أن نكون قوامين على الخير وللخير وللجميع دون تمييز ، علمتنا أن الظلم ظلمات وأن التقوى أقوى ، وغرست فينا حب الله وحب الرسول عليه السلام وحب الوطن وحب القدس لانك جاهدت هناك وقاتلت هناك وسكنت هناك وصليت هناك وتعلق قلبك في حرمها كنت تحدثنا عن أبواب الأقصى باباً باباً وساحة ساحة ومعلماً معلماً وعن باب العمود حيث كانت خيمتك هناك وعن معارك الشرف وعن معركة جبل المكبر وكل معارك الرجولة والفداء ضد الصهاينة المعتدين الباغين، وكنت تحدثنا عن الجيش وعن زملائك ( اخوياك) وعن الأبطال الذين أُستشهدوا وكم كنت تتمنى أن لو كنت معهم شهيداً ، نسأل الله أن تكون الأن مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقاً.