نعم نغضب لفلسطين لأننّا في الأردن الأقرب دمّا وترابا ونبضا لها ، وكان لنا أهلا في الضفة الأخرى غربي النهر ، كما هو هنا أهلا وضفّة نبتت من ندّى وطيب .. وقد مشوها أجدادنا من دروب الكرك وإربد نحو القدس ونابلس وإستراحوا في أريحا بعدما عبروا المخاضات والزور على الشريعة عندما كان " أبو قراقة" يفرد مراجله هنا ..
نعم نغضب لفلسطين ولا نوقع على بيعها حتى لو بقينا وحدنا دون العالم ، فهل ننسى دم شهدائنا وصيحات عسكرنا يوم هبّوا من "خو" وسلكوا وادي شعيب وناعور والحداء يرافقهم، والهجيني لسانهم وهو يعتلون صهوات الدبابات ، نحو الغرب عيونهم وقلوبهم، يحملون أرواحهم على كفوفهم ويحدون :
"جيناك يالقدس الشريف
نفديك بدم رقابنا
صهيوني وإرحل يا لعين
هذي البلاد بلادنا .."
من قال ننسى فلسطين ، فقد مرّ كايد المفلح العبيدات شيخ الكفارات ورفاقه وغرف شربة من النهر ونادى من فوق "سمخ" أن دّمنا وأرواحنا دون أن يمس الأرض الطاهرة مستعمر أو غاصب .. ونحن أحفاد محمد حمد الحنيطي الذي سرى من أبوعلندا يسابق الريح إلى أريحا ، يومها خلع رتبته أمام قائده الإنجليزي وقال أنا هنا "لأستشهد" وإلتحق بالمجاهدين حتى إرتقت روحه غيم فلسطين ...
كيف نتنازل عن فلسطين وشهداءنا نائمون تحت شجر الزيتون والتين والدوالي ، في البساتين والموارس والحواكير أضرحتهم ، وأصبحت أجسادهم جذورا مغروسة في بطن الأرض حتى قيام الساعة ...
فلسطين للأردن قصة ورواية وسجل بطولات ، وإن باع الآخرون فلن نبيع ، وإن صافح الآخرون فلن نصافح .. إسألوا اليهود عن نواف جبر الحمود وحابس المجالي في اللطرون وباب الواد والرهوة وكفر عصيون ، إسألوهم عن صالح شويعر في وادي التفاح ونابلس ، يذكرون العيط مطر وصالح أبوالفول ونبيه السحيمات وغازي ربابعة في القدس والشيخ جراح ...
من قال نترك ثأرنا ودم عسكرنا حتى لو رفرف علم كيانهم الغاصب في كل العواصم ، نعرف طريق القدس القديمة وأريحا ومزرعة العلمي ومثلث الجفتلك، والخرائط مؤشرة والمدافع موجهة وكلها بأمر الله تنتظر ، وإن طبّعوا فلن نطبّع وسيبقون العدو ، وهم يعرفون الأردن وجيشه العربي ويعرفون خالد هجهوج وفريد الشيشاني ولواء الله الأربعين والمدفعية السادسة وكتيبة الحسين الثانية ، ويعرفون أن السلام محض إعلام وتجارة ، وأن القبائل والعشائر الأردنية يوم إجتمعوا عام ١٩٢١ في مؤتمرهم الوطني رفضوا وعد بلفور واليوم بعد مئة عام يرفضون ولنا عندهم مئة مئة ثار .