كم أتمنى أن أعود يوم يوماً إلى مدرستي الأولى ، مسروراً بحقيبتي المدرسية ومريولي الأزرق الجديد وربطة شعري البيضاء ودخولي للصف الأول ، خائفةً من دخول باب المدرسة ، أمسك بثوب أمي ، وعيوني تفيض بالدموع حيناً أمسحها وحيناً أنشجُ بالبكاء أريدُ أمي حينما تركتني في الصف مع بنات لا أعرفهم ، أما تلك المعلمة التي أمسكت بيدي وقالت لي : ( يا عيني شو هالشبرات الحلوات بدي اقعدك بأحلى درج يا صغيرتي) إنني أحبّكِ..
فلتضمينا يا صفوف الأول الابتدائي ، وأعيدينا إلى مقاعد حبّنا الأولى ولهفتنا للمدرسة والدّرس والحروف والطبشور ، أعيدينا أطفالاً نتسابق لنرسم وجه الشمس على السبورة مع طيور الحرية ، فيشرق معها وجه معلمتنا بابتسامةٍ تجعل من جدران الصف الصمّاء جمهوراً يردد معنا وأرضيته الإسمنتية مسرحاً ومهرجاناً ، ونحن نردد معها بصوت عالٍ وبكل فرح ( موطني موطني) فنسمع تلك الجدران تعيد ما نقول فنعيد بأعلى صوت مرةً أخرى وكأننا على أرض مسرحك يا عمان ويا جرش ..
فلتضمينا يا صفوف الأول الابتدائي ، لنعيد تشكيل الحياة من جديد ، ونؤدب أرواحنا ، ونرفع معلمنا على عرش القلب..
فلقد حدقتُ طويلاً في ملامحك معلمتي ، وأبهرتني أحاديثك ، وطريقة كلامك وخطك الجميل ، فأخذت بالهذيان وتقليدك ، فحفظت الدرس وأتقنت الشرح حينما طلبت مني الوقوف أمام الطالبات وشرح الدرس ، رغم أن دقات قلبي أسمعت طبقات اﻷرض وفضاءات الكون ، وفرح قلبي فرحاً لم يسعه الكون حين وقفتي وقلتي أنظروا لتكونوا هكذا..
نعم معلمتي أحببتك فعشقت الكتاب وتفوقت كما أنت ، فعدتُ يا معلمتي لمدرستي التي درجت أولى خطوات صغري فيها ، ووقفت كما كنت فتمثلتك بكل جوارحي ، حازمة في الدرس مستوفية الشرح ، حانية على تلميذاتي محبة لهن ، ومعززة للإبداع واﻹبتكار لديهن. وإنني اليوم معلمتي وقد تجذّر التعليم بأوصال روحي وتعلقتُ به ، ﻷفرح فرحاً كبيراً حينما أرى بنياتي الطالبات ، وأسعد بهن فتلك طبيبة وأخرى مهندسة وغيرها محامية ومعلمة وأم . ويزداد فرحي برسالة من إحداهن حين تقول :أحبك معلمتي.. وغيرها أم تعود إبنتها لتتلمذ على يديّ فتقبّلني اﻷم أمام إبنتها وتذرف الدمع وهي تقول :إنّها معلمتي وهي أمّك اﻵن ، فيرتجف قلبي لتلك الحروف ، فلتهدأي بنيتي فأنتِ في كنف قلبي..
وإننا اليوم يا معلمتي في هذا اليوم الطيب الذي نحتفي فيه بمعلمينا إننا لنُقبّل جبينكم عرفاناً بالجميل..
وإننا لنجددَ الهمّة والعزيمة ، فأقول لكلّ معلم ومعلمة هنيئاً لكم بهذه المهنة والتي تتعاملون فيها بأنقى مراحل حياة اﻹنسان ، فالطلبة الطلبة أعزائي ، فالعلم غذاء العقل ، وهو السبيل الوحيد لنا لرفعة أمتنا بعد تطبيق تعاليم ديننا الحنيف ، وهو النور الذي ينير الدروب من بين مغريات هذه الحياة التي نحياها اﻵن ، واﻷخلاق اﻷخلاق أعزائي وتهذيب الطِباع ، وخلق طلابا أكثر إبداعا في جميع مجالات الحياة في مصنعنا الصغير هذا ، لنُخرج إلى مجتمعاتنا أفرادا صالحين مبدعين.
وإننا نعلم أنه درب مليء بالعقبات ، أزماتٌ وتعلمٌ عن بعد وبرامج جديدة ، وأعداد كبيرة ، ودلال زائد للطلبة ، وما تطلبه اﻹدارات المدرسية من أوراق كتابية وخطط وتحضير وإمتحانات ، ورواتب متدنية مع ضنك الحياة ، لكن اعلموا أعزائي المعلمين أنه لا ذنب لنفوس طيبة هي بين أيدينا . وإن التحدي صعب جدا هذه اﻷيام ، فلا ينجح شيء في الحياة إلا بالمحبة والوداد والهمّة العالية ، فإن أحببناها أبدعنا وتميزنا ، ونحن بمثابة الوالدين لطلبتنا ، فلنخلع عنا آثار الحياة المضنية خارج أسوار مدارسنا ، ولنُلبس أنفسنا أجمل الحلل بإبتسامة الحياة ، وإننا لقادرون بإذن الله على جعل العالم مكانا أجمل .. فيا معلمتي هي رسالة وفاء لكِ ولكل من علّمني حرفاً ، وإنني بشوقٍ لرؤية معلماتي وتقبيل جبين العلم لديهنّ رداً للجميل ..
وأنتم أيّها المعلمون أنتم القلب وأنتم وجهُ الوطن ولونُ بشرته ، وزنوده السمراء والمجد المنتظر..
فتذكروا دومًا قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
((إنَّ الله لا يقبَلُ منَ العمل إلاَّ ما كان خالصًا وابتُغِيَ به وجهُه)) .