قبل نحو شهر تقريبا، وخلال زيارة رئيس الوزراء د. بشر الخصاونه، إلى بعض مشاريع حقولنا النفطية، أهدت اليه وزير الطاقة هالة زواتي، زجاجة مملوءة بالنفط الخام، كناية أو تعبير عن أولى بشائر الخير، بإنتاج الفي برميل يوميا.
تلك البشرى التي ينتظرها الأردنيون بفارغ الصبر منذ أمد ، لما تعنيه من الخير والرخاء ، وهي ما يجب البناء عليها للتطوير وزيادة الإنتاج، ليكفي حاجتنا على الأقل.
بعد تداول خبر الهدية إياها ، أثير لغط كثير، فريق رأى أن تلك الهدية برمزيتها التعبيرية، أمر عادي ومتقبل، وهو ما أميل إليه، شأنها كما لو ذهب أي مسؤول إلى مصنع للملابس او الأغذية أو غيرها مثلا ، واهدي إليه عينة رمزية من الإنتاج، كنوع من الإعتزاز بالصناعة أو المنتج الوطني.
فيما إعتبرها البعض ،أنها إستخفاف بكل الجهود الوطنية التي بذلت للبحث والتنقيب عن النفط!
هنا اسأل لو كانت الهدية برميل أو صهريج من النفط، فما سيكون التعليق ؟
الوقوف على الجزئيات، وأن نصنع منها رأيا عاما وحديثا لوسائل الإعلام ، أعتقد أنها من المبالغات غير المهمة ، فالعبرة بالنتائج لا بالهدية او بكثرة التصريحات وجدليات العناوين.
المهم الذي يجب الإشارة إليه ، هو أن قطاع الطاقة وأمنها في الأردن، يعتبر من أهم القطاعات وأشدها ضرورة، لأهميته في كل مناحي وعناوين الحياة، ولدورة في إدارة عجلة الإنتاج لكل القطاعات.
الغريب أننا نتوسط دولا كلها تقريبا منتجة للنفط، وبعضها يحتل الصدارة العالمية في الإحتياط والتصدير، والأغرب ورغم كل عمليات البحث والتنقيب، لا يزال الأردن يستورد اكثر من 99٪ من حاجته من مصادر الطاقة.
فنستورد الغاز الفلسطيني المسروق، من الكيان الصهيوني المحتل، من خلال إتفاقيه لا تزال وستبقى مثار للرفض الشعبي ، والجدل القانوني والتسويف الحكومي، وغض الطرف البرلماني المتعاقب.
ونستورد من العراق جزء من النفط الخام بسعر تفضيلي، كما نستورد بقية حاجتنا من الأسواق العربية وغيرها.
وتشكل مستوردات الأردن من الطاقة ، عبئا ثقيلا على الخزينة العامة، إذ يتجاوز حجم الإنفاق السنوي اكثر من ثلاثة مليارات دينار تقريبا.
أعود الى الوراء ،لأذكر بالكم الإحتياطي الوطني الهائل، من الصخر الزيتي، اذ يعتبر الأردن ثامن مصدر له في العالم ، وذلك بحسب بيانات مجلس الطاقة العالمي، وتشكل أماكن تواجده المكتشفة حوالي 60 بالمئة من أراضي المملكة.
وأذكر بمشاريع الإستثمار والآمال التي عقدت، كجزء من الإستراتيجية الوطنية لتعزيز مصادر الطاقة المحلية وتنويعها، وتقليل كلفة الفاتورة السنوية.
بغية الوصول الى بعض الحقائق وتجليتها ،ورغم البحث الطويل، أتمنى أن أصل الى حل اللغز وفك الطلاسم، والوصول إلى معرفة أسباب فشل أو إفشال مشاريع الطاقة التي اصبحت تلاحقنا!
كتلك الشركات التي انشات وارتبطت، بمشروع المفاعل النووي، والتي تمت تصفيتها، بعد جملة الخسائر.
وكثرة الخلافات مع المستثمرين وأسبابها!
وما أعقب جملة البشائر، التى نقلها الى الأردنيين، رئيس الوزاء الأسبق د. عمر الرزاز، وخاصة بما يتعلق منها بإنتاج الغاز الوطني.
والسؤال، لماذا ولأجل من توقفت شركة برتش بتروليوم عن التنقيب؟
واين وصل التحكيم الدولي، مع شركة العطارات، ولماذا الخلاف معها ؟
وهل لكل ذلك علاقة للإبقاء على إتفاقية الغاز مع الصهاينة؟
إدارة مشاريع الطاقة وامنها، أمر في غاية الأهمية، وخاصة في ظل الصراع الدولي على مصادر الطاقة، وقيام بعض الدول وما تشكله من العصابات، بالتعدي والسطو على حقوق الغير في البحار والفيافي والقفار!
وهو الأمر الذي يحتم على وجود نخبةومن العاملين الأمناء ، الحريصين على المال العام، والمخلصين للوظيفة والعمل العام ، والاوفياء للمنتج الوطني أنى كان مسماه.
ومن الضرورة بمكان، الإشارة الى قول معالي الدكتور محمد نوح القضاة، '' نحن لا نشكو من قلة المال "برغم أهميته وشحه" ،'' ولكننا نشكو من قلة الرجال '' ٠
ويقصد بذلك قلة العاملين الامناء من الرجال والنساء، الذين يدركون ويعرفون تماما ، معنى الرقابة على الذات ، قبل رقابة جهات التدقيق والرقابة، ويعلمون حرمة المال العام، ويدركون أهمية العمل والإنجاز، من منظور ومنطلق الأمانة، وخدمة للوطن والمساهمة في بناءه.
أسلم وأقر بوجود الكثيرين منهم، في كل مؤسساتنا على إختلاف مسمياتها، ولكن لا بد من تفعيل جهات الرقابة الرسمية، ومضاعفة جهودها صونا للمال العام وحرصا عليه، ولكف اليد قبل أن تمتد إليه .
وأنادي وأتمنى على إعادة هيئة مكافحة الفساد ، الى حاضنة دائرة المخابرات العامة، لأن هناك بقية وثلة من الموظفين، ومن هم في حكمهم، لا يعرفون من الأمانة إلا إسمها، ولا يراعون لها حرمة، و لا يعرفون ما للوطن من حق، غايتهم الوصول إلى المكان والمال، والغاية عندهم تبرر الوسيلة.
قبل يومين نشرت بعض المواقع الإخبارية، مقالا هو للخبر أقرب، تحت عنوان الشوبكي يسأل عن مختبرات إفتتحتها زواتي قبل'' 3'' سنوات، بكلفة''10''ملايين دينار، واليوم هي خارج الخدمة!
عامر الشوبكي كاتب المقال او الخبر ، هو ناشط وباحث وخبير في مجال الطاقة، أنا بصدق لا أعرفه وهو كذلك، ولكني أتابعه واستمع لما يقوله أو ينشره عبر وسائل الإعلام ، وأشعر بغيرته على وطنه وخوفه على مستقبله.
جاء فيما كتبه الشوبكي '' انه بتاريخ 27-7-2018 ، افتتحت وزيرة الطاقة ، مبنى ومختبرات تابعة لوزارتها ، ضمن حفل تناقلته وسائل الإعلام، وفي حينه تم استعراض المكاسب الاقليمية والمحلية الممكنة لتلك المنشأة ومعداتها .
والتي تحتوي على مختبرات بقيمة 3.5 مليون دولار، و مزودة بمعدات تم التصريح في حينها انها الأحدث في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فيما يتعلق بصناعة النفط والغاز عموما.
وتشتمل على مختبر الطحن وتحضير العينات، ومختبر التحاليل الجيوكيميائية، ومختبر التحاليل الجيوفيزيائية، ومختبر تحاليل النفط والغاز والماء، ومختبر تقطير الزيت من الصخر الزيتي، ومختبر قياس النفاذية والمسامية والعينات الرقيقة.
وتقع هذه المنشأة بالقرب من تقاطع النهضة، غربي العاصمة عمّان، وهي عبارة عن مبنى مساحته تقارب 3000 متر مربع، ويقع على أرض تبلغ مساحتها قرابة 4000 متر مربع، وقدر الشوبكي القيمة السوقية لتلك المنشاة بنحو 10 مليون دينار.
وقوله.. يحتاج الأردن لهذا النوع من المختبرات، للاستفادة منها في عمليات استثمار ثرواته من الصخر الزيتي.
بعد أن عملت في المملكة أربعة شركات خاصة، لإستغلال الصخر الزيتي،لكن لم تنجح أي منها في تقطير النفط بشكل تجاري، عدا شركة العطارات التي اعتمدت على الحرق المباشر لتوليد الكهرباء في منطقة عطارات ام الغدران.
بكل أسف أن هذه المنشأة التي تحتوي على المختبرات، تم إغلاقها تماما وأصبحت خارج الخدمة، وقد أخفت الوزارة أمر اغلاقها ،ولم تعلن أو تبين أسباب الإغلاق.
وأصبح المكان شاهد عيان ومثال، من امثلة عديدة على سياسة بيع الوهم والتضليل، التي تنتهجها وزارة الطاقة مؤخراً.
ولو تم استغلال المنشأة ومختبراتها، بشكل حصيف لكانت رافداً للخزينة العامة، ولكن سوء التخطيط والادارة في وزارة الطاقة، حال دون الاستفادة من ذلك .
الشوبكي طالب بضرورة فتح تحقيق، ومحاسبة كل من تسبب في هدر المال العام، من ناحية البناء والتأثيث، وشراء الأجهزة والمعدات، ثم عدم استخدامها للغاية التي أقيمت من أجلها.
او عدم استغلال المبنى ذاته لاغراص النفع العام ، إذ ان العديد من المباني الحكومية لا تزال مستأجرة وتكلف الخزينة مبالغ طائلة، ووضع حد للإستهتار .
انا وكل اردني حر وغيور نضم صوتنا الى صوت الشوبكي ونطالب به.
وأقول.. إن ما كتبه الباحث والناشط الشوبكي، أمر يحتاج الى وقفة جادة وإجراء عاجل، من قبل رئيس الوزراء، ومجلس النواب، وأجهزة الرقابة والتدقيق.
والإيعاز أولا بتشكيل لجنة تحقيق، وبشكل عاجل للوقوف على الواقع وتقييمهة.
وثانيا..ضرورة إعادة استغلال المبنى والمختبرات، بما يخدم الشأن الوطني، وأصر على استغلالها للغاية التي أقيمت لأجلها.
وثالثا.. محاسبة كل من كان له دور او علاقة، في الإهمال والتقصير والإستهتار بالمال العام وهدره، وكيف تم ذلك وما هو المصوغ القانوني .
والحديث عن الطاقة وبشائرها، وبالأمس القريب بشرى للأردنيين، بأن هناك توجه جاد لرفع اسعار الكهرباء، لمن تزيد قيمة فاتورة استهلاكه الشهري، عن ستمئة دينار!
السؤال هل هذا التوجه سيشمل القطاعات الصناعية والتجارية مثلا؟
وكيف للحكومة او وزارة الطاقة، أن تقرر رفع اسعار الكهرباء، دون عرضها أو الرجوع الى مجلس النواب؟
والسؤال الأهم.. متى سنحفظ المال العام من الهدر والتبذير؟
وإلى متى سنبقى نأتمر بأمر البنك الدولي؟
ختاما.. مع كل حادثة إعتداء أو هدر للمال العام، أسأل كما يسأل غيري ويتكرر السؤال ،حين تم صرف المخصصات المالية لهذه الغايات، أين كانت أجهزة الرقابة والتدقيق الداخلي ؟
وما هي مسببات ومسوغات الصرف لهذه المشروعات ودراسات جدواها ؟
وأين المتابعة والرقابة والتدقيق السنوي ، وهل قدمت توصيات بعد مضي نحو ثلاثة سنوات، على إقامة تلك الابنية والمختبرات ؟
وكيف تسمح الحكومة بأن يغلق مبنى على ما فيه من أجهزة ومعدات، دون النظر الى كيفية الإستفادة منها؟
وهمسه.. وبالمناسبة، عندما يولى الصالحين أمر العامة، يكون القصاص والمحاسبة،بعد الذي جرى في تونس مؤخرا، وبالامس القريب تحقيقات تطال اكثر من 450 شخصا، إختلسوا اكثر من 4 مليار دولار من المال العام !
بقي ان أقول.. أن من إمارات قيام الساعة، ضياع الأمانة، حتى يقال '' إن في قوم كذا رجل أمين ''.
وإن من علامات زوال الأمانة، أن يوسد الأمر إلى غير أهله.