متطلباتُ الحياةِ كثيرة، وليسَت الحياةُ نزهةً كما قد يظُّنُ البعض، لكنْ ليسَت هي الحياة كما أرادها الله أن تكون لأنَّ الخطيئة قد شوّهت جمال الحياة وقيمة الحياة ومعنى الحياة. فحتى الطبيعةَ فقد تَغيّر فيها المناخ وموعد الفصول مما يؤثر على الطيور وعلى حركتها وعلى طبيعة حياتها. فما هو طبيعي يصبح غير طبيعي، وما كان منتظماً يصبح غير منتظم، تماماً كما هي حياة الإنسان، فقد تبدّلت حياته وتغيّرت وأصبحت قيمه ومعاييره تختلف تماماً عن معايير السماء وعن شرائع السماء فتحولت طبيعةُ الإنسان إلى طبيعة مفترسةٍ تملئُها روح الشهوة وحب السيطرة والنفوذ.
لذلك تبقى أهم متطلبات الحياة تسمو وتفوق على الحاجات الأساسية الضرورية للحياة البشرية من مأكل ومشرب وملبس وهواء ودواء وتعليم وصحة وغيرها، فأهم متطاباتها أن ترتقي الحياةُ إلى إنسانيتها وإلى طبيعتها الروحية لأنَّهَا من نسمات الله سبحانه وتعالى. لذلك، قد ندعّي نحنُ الحياةَ ونحنُ أبعد ما نكون عن إنسانيتنا، مفتقدين لحياتنا الروحية التي توصلنا مع الخالقِ، مصدرَ كل حياة وكل حب وكل جمال.
وكما أن الحياة لها متطلبات كذلك هو الجسد، لكنّ الأهم في الجسد هو ما يغطيه، فالبعض يعتقد أن قطعة قماش قد تُغّطي الجسد وتُظهر جماله ومفاتنه، ولكن الحقيقة أن اللباس الحقيقي للجسد هو زينته المقدسة بحفظ قداسته وطهارته ونقاوته من كل ما يدنسه من الخبث والشّر والفساد الرذيلة. فهذا أفضل رداء نلسبه في حياتنا. فهناك من يريد أن يزين جسده بلباس برّاق لكنه لباس مخادع، لا يعكس بالضرورة جمالَ ما يغطيه، وأجملُ ما نزين به جسدنا هو لباس النقاء والصفاء والطهارة والقداسة والمحبة. هذا ما يعطي للجسد زينته ويعطي للحياة قيمتها ومعناها.
فهل المدنية والتقدم العلمي والتكنلوجي قد قادنا في خطى تقدم قيم الحياة العليا والسامية، وإلى ضرورة لِبْسِ ما يزين حياتنا من فضائل وخصال حميدة؟ لربما هي عمقُ رسالة الأديان السماوية أن ترفعَ من قيمةِ حياتنا البشرية ومما يجب أن تتزين به نفوسنا، لنكون حقاً أداة للبناء لا معولاً للهدم.