بأبسط قواعد الحياة نستطيع أن نعرف ما للقيادة من أهمية في حياة الأفراد والشعوب. فالقيادة المتهورة مثلا ًوغير المسؤولة لدى قيادة المركبة ستُحدث الكثير من الحوادث مما قد ينتج عنها أضرار بالغة وخطرة وربما وفيات والنتائج تكون كارثية.
على منوال ذلك فإن الشيء الذي يَتطلَّبَ منهُ أن يكونَ ناجحاً ومحققاً أقصى درجات النجاح يحتاجُ إلى قيادةٍ منضبطةٍ وناجحة، تلّم بمبادئ الإدراة والقيادة الحكيمة، ومتفاعلة من متغيرات الزمان والمكان أي قيادة ديناميكية لأنَّ الحياة متحركة وليس كتلة جامدة وتتطلب من الإنسان القيادي أن يراعي كل المتغيّرات وكل المستجدات وكل التطورات من حوله، هذا إذا أراد أن يَعبرَ بسفينته إلى شاطئ الأمان.
لذلك فعندما نختار قيادات مجتمعية وعلى كل المستويات يتطلب منا دراسة تلك الشخصية وتحليلها والوقف عند نقاط القوة ونقاط الضعف عندها، لأن هناك حد أدنى لمقومات القيادة السليمة والحكيمة التي تراعي المصلحة العامة لا المصلحة الشخصية أو المصلحة الفردية، وتعّلي مصالح المؤسسة أو المسؤولية التي أوكلت إليه ومسؤولة منه، فلا يقدر القائد أن يتنصل لاحقاً من مسؤوليته ويضع اللوم على غيره أو على الظروف المحيطة به.
لذلك عيباً على المسؤول أن يستشير ويحيط نفسه بدائرة مستشارين مخلصين ومتخصصين بجوانب هامة من القضايا الحياتية لإبداء الرأي السديد الذي يساعد القائد أو صاحب القرار على اتخاذ القرار الصائب والصحيح الذي وإن لم يُرضي كثيرين لكنه الأفضل في حماية وصون الأمانة التي قَبِلَ أن يتحمّلها.
فمجتمعاتنا اليوم ومؤسساتُنا تحتاج إلى قيادات موهوبة ومقتدرة وصاحبة كلمة في المواقف الصعبة، وقادرة أن تقول كلمتها وتمشي مهام كانت تبعاتها إذا كان القرار مبني على أسس علمية وقانونية وإنسانية وأخلاقية. فالحياة تحتاج إلى قيادة ناجعة تصحح الإختلالات وتقترب من الصواب ولا تجافيه، ولا تجد ضيراً في التعلّم من أخطاء الماضي بل تبني على رصيد الإنجازات السابقة التي ترصَّدَت في حساب المؤسسة أو الدائرة التي يرأسها.
لربما مجتمعاتنا العربية عانت من قيادات أول ما تقوم به هو التبرأ من كل ما سبقها وكأنها تريد أن تخترع العجلة من جديد، وهذا ما يجعلنا متأخرين لا بل متخلّفين، وهمنا فقط هو التمسك بالكراسي التي لا تدوم طويلاً، مفتقرين إلى إنجازات حقيقية تفيد الناس والمجتمع. هذا ما يدعو إلى العمل المؤسسي، فلا يكون العمل مرتبطاً بشخص بعينه وإنما بعمل مؤسسي يبقى ويدوم ولا ينهار عند أول مفترق. ربما هذا ما نحتاج إليه اليوم في مجتمعاتنا العربية وقد سبقتنا إليه الدول المتقدمة وأثبتت نجاحاً باهراً على صعيد العمل المؤسسي وتراكم الخبرات والإنجازات.
يبقى القول أن العمل المؤسسي لا يعفينا من قيادة حكيمة وفذّة وصاحبة رؤى استشرافية ومكرّسة بالكامل لخدمة الأمانة التي وُضعت على عاتقها.