قُدِّر لي أن أزور مهرجان الزيتون الوطني الحادي والعشرون الذي ينظّم من قبل المركز الوطني للبحوث الزراعية-وزارة الزراعة كتظاهرة وحاضنة وطنية إنتاجية وتسويقية تشكّل مفخرة وقصة نجاح على الأصعدة كافة؛ ففي المهرجان أكثر من خمسمائة فرد وجمعية ومنظمة غير حكومية لغايات عرض المنتجات الريفية لمدة عشرة أيام في مكة مول تنتهي في الرابع من شهر تشرين الثاني الحالي؛ وخصص لهم أكثر من مائة من موظفي المركز الوطني للبحوث الزراعية وعلى رأسهم مدير عام المركز الذي يتنقل وموظفيه بين المزارعين كخلية نحل دائبة لأجل تقديم الخدمات النوعية للمزارعين ويقومون على خدمتهم وتقديم التسهيلات لهم؛ وعلى مساحة أحد عشر دونم أرض خُصص لكل عارض مكان لائق لعرض وتسويق بضاعته ومنتجاته الزراعية التي تشكل مصدر دخل له ولأسرته؛ وفي هذا المهرجان تلمس الإقتراب من الإكتفاء الذاتي صوب العوائل المنتجة والقادرة على العطاء:
١. فكرة المهرجان التي بدأت منذ العام ألفين نمت وإزدهرت بإضطراد من حيث أعداد المشاركين والمساحات المخصصة للعارضين ومدة العرض ومدى إهتمام القائمين على المهرجان ورواد المهرجان والكثير من المؤشرات الإيجابية.
٢. فكرة المهرجان جاءت في إطار مهمة المركز الوطني للبحوث الزراعية لإضافة بُعد جديد في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وإدراك القيمة الأساسية له في تحويل العجلة نحو مستوى وعي أعلى للسكان المحليين حول الزيتون، وأنواعه ومنتجاته؛ بشكل يساهم بشكل كبير في زيادة دخل صغار المزارعين والمرأة الريفية من جهة، وخلق نقلة نوعية في النمو الاقتصادي الوطني والتمكين الإقتصادي من جهة أخرى.
٣. تنامى عدد زوار المهرجان حتى وصل في الأسبوع الأول قرابة مائة وخمسون ألف زائر؛ وهذا الرقم له دلالات كبيرة من حيث الإيمان من قبل متلقي الخدمة أن المهرجان يقدّم لهم السلع مفحوصة وصحية وعضوية وكذلك جودة عالية تحقق طموحاتهم وإحتياجاتهم من زيت الزيتون والزيتون ومشتقاته والمطرزات والصناعات اليدوية المُتقنة والتراثية ما يشكل قيمة مضافة للسياحة الزراعية.
٤. في مهرجان الزيتون الوطني يلحظ الزائر قصص النجاح على الأرض ويشاهد بأم عينه المزارعين أنقى وأطهر مَن على الأرض؛ ويلحظ وجوه الخير المبتسمة والقنوعة بما رزقها الله تعالى دوماً؛ ويلحظ خطوط الإنتاج والإبداع في الصناعة والمشاريع الريادية الصغيرة والمتوسطة؛ ويلحظ في عيون المزارعين العفّة والكرامة والعطاء والنقاء؛ ويلحظ القناعة وطيبة القلب دون جشع أو طمع؛ ويلحظ الخدمة النوعية للزائر وإكرامه وإسعاده من القلب؛ ويلحظ الكثير الكثير.
٥. في مهرجان الزيتون الوطني لهذا العام تطورات مذهلة تدل على تنامي الخبرات للقائمين عليه من حيث المكان ومساحته ونظافته وترتيبه ولوجستياته ومواقف الزوار؛ والأهم من ذلك أنه يتجه صوب التسويق الذكي حيث لكل عارض QR كود مرتبط بنظام تتبع الجودة وإمكانية التسوق عبر شبكة الإنترنت وخدمات التوصيل المجاني ووجود شركات للتسويق الذكي لخدمة المزارع.
٦. في مهرجان الزيتون الوطني شدّني طرق عرض المنتجات العفوي والذي أتى بجمالية وفسيفساء تسر الناظرين؛ وكأن خبرات المزارعين وديناميكيتهم باتت ليست بالإنتاجية فحسب بل تجاوزت ذلك صوب التنظيم والعرض والتسويق وريادة الأعمال وغيرها؛ فكان المكان جميلاً بشخوصه ومعروضاته وزواره ومنظميه ومشرفيه.
٧. في مهرجان الزيتون الوطني يلحظ الزائر منتجات العائلة الواحدة والجمعية والأفراد؛ ومع ذلك فالتشبيك بين المزارعين جعل منهم أسرة واحدة متعاضدة متحابة متكافلة متضامنة؛ فبوركت كل الجهود الوطنية المخلصة على سبيل تحقيق النمو الإقتصادي وتحقيق العيش الكريم للمواطن وبشرف وكرامة.
٨. في مهرجان الزيتون الوطني نشتم رائحة كروم الزيتون والزيت والمنتوجات الزراعية والصناعية الخفيفة في وطني من الكفارات والكورة والريف والبادية والحَضَر والمحافظات والعاصمة وكل الأراضي الأردنية الطهور؛ وما أروع وأزكى وأطيب طعم ولون ورائحة هذه المنتجات التي جاءت بعد عناء وتعب لترسم البسمة وقصص النجاح على مُحيّات أصحابها.
٩. في مهرجان الزيتون الوطني ترجمة واقعية لما ورد في القرآن الكريم بشأن الزيتونة كشجرة مباركة في قوله تعالى: ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشْكَوٰةٍۢ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ ٱلْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ ۖ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍۢ مُّبَٰرَكَةٍۢ زَيْتُونَةٍۢ لَّا شَرْقِيَّةٍۢ وَلَا غَرْبِيَّةٍۢ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىٓءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍۢ ۗ يَهْدِى ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن يَشَآءُ ۚ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْأَمْثَٰلَ لِلنَّاسِ ۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ؛ فالحمد لله تعالى على هذه النعم التي نشكره عليها من قلوبنا.
١٠. شكراً من القلب للقائمين على هذا المهرجان الوطني الكبير من المركز الوطني للبحوث الزراعية ووزارة الزراعة والمزارعين والصناعيين والمشاركين الكرام؛ والذي أدعو الجميع إليه وزيارته فيما تبقى من أيام قليلة من عمره خدمة ودعماً للمزارعين والمشاركين فيه؛ وأرجو الله مخلصاً أن يكون كل ذلك في موازين وطنية الجميع.
بصراحة: نرفع القبعات لفكرة مهرجان الزيتون الوطني والقائمين عليه والمشاركين فيه والمزارعين ونشكر زواره وداعميه من القلب؛ ونتطلع لمزيد من النجاحات الوطنية ومزيد من المهرجانات للزيتون والرمان والحمضيات والفواكة والبقوليات والحبوب وغيرها من خيرات بلادي التي نعتز بها دوماً؛ وللأمام.