إنَّ ميلادَ المسيح قبل حوالي ألفي عام كان ميلادُ السلام ليعطي الأرض السلام " وعلى الأرض السلام" كما ترنمت الملائكة في فضاء بيت لحم. وهذا ما سمعه صاحب المزامير في قلبه ستمائة سنة قبل الميلاد بأن الله سوف يتكلم بالسلام لشعبة ( مز 9:85). وهو نفس السلام الذي يطمئن القلب الحائر والخائف والمضطرب والذي طرحه السيد المسيح على تلاميذه " سلامي لكم وسلامي أعطيكم"، " وسلام الملاك جبرائيل الذي ألقاه على مريم "سلام لكِ أيتها المنعم عليها. الرب معك. مباركة أنت في النساء"، وما أحدثه سلام العذراء المباركة مريم على نسيبتها إليصابات "فلما سمعت أليصابات سلام مريم ارتكض الجنين بابتهاج في بطنها".
نعم، إنَّ السلام نعمة إلهية يحتاج إليها عالمنا ويحتاج إليها كلُّ إنسان، فما قمية حياتنا من غير سلام داخلي يملئ قلوبنا؟ فمن غير هذا السلام الداخلي تبقى النفوس مضطربة ومشتتة، فلا يمكن تباعاّ لذلك أن يعُّمَ السلام الخارجي والإستقرار. لذلك علينا أن نبحث عن قيمة ونعمة السلام في داخل نفوسنا أولاً، وهذا السلام لا يمكن أن يتأتى إلا من عند أبي الأنوار وهو الذي يملئ القلب بهجة وسروراً وطمأنية حتى في وسط أصعب ظروف الحياة شدّة وقساوة.
لذلك عبثاً أن نسعى لإرساء دعائم السلام بين الناس وبين الشعوب والأمم من غير أن تمتلئ نفوسنا أولاً من هذا السلام الإلهي الآتي من فوق. لذلك السعي من أجل السلام هو دعوة إلهية "طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون"، فلا بدّ أن يتمخّض عن إيماننا السعي في طريق السلام بين البشر حيثما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، فما أجملَ أقدامَ المبَّشرين بالسلام المبشرين بالخيرات!
فأعظمُ رسالةٍ يؤديها الإنسان في حياته هي إرساء دعائم السلام لأنّ السلام ليست مجرد عكس مفهوم الحرب وتوقف إطلاق النار، فقد تتوقف الحروب من غير أن يحّل السلام بين الناس، لأنَّ زرعَ قيمة السلام في قلوب الناس يعني قبول الناس بعضهم بعضنا والتعاون معاً على البّر والتقوى لتنمو المجتمعات وتتطور وتتقدم، عندها يسكن المجد الإلهي في أرضنا ويسود عالمنا. عندها فقط يتحول عالمُنا إلى جنةٍ سماوية على الأرض لا يأكل فيها القوي الضعيف ولا يتجبّر فيها الغني بالفقير ولا يستبد فيها الكبير بالصغير لأنّ العدل والبّر يشكلان عنوان حياتنا ومضمونها. وهكذا تجد رسالة السلام السماوية صداها في عالمنا.