لم يكن ميلاد المسيح وليدَ صدفةٍ أو ضربةِ حظ، بل عملٌ إلهي مرتّب في الزمان والمكان، إذ يُخبرنا الكتاب المقدس أنه " لما تمّ ملئ الزمان" أي جاء الموعد بحسب الترتيب الإلهي، وبعد أن هيأت النبوءات الناس لإستقبال طفل الميلاد، أشرقت شمسُه على البشرية جمعاء، فهو "شمس البر" الذي تتوق إليه البشرية جمعاء لتنال من نوره الإلهي الذي يُشِّعُ في ظلمات هذا العالم المظلم المليء بشتى أنواع الشرور والقساوة واللاإنسانية والكراهية والموت والحقد والأنانية والإنتقام.
فطفل الميلاد كان ممسوحاً من الله فهو مسيح الله، وتسميته "يسوع" كانت من قبل الملاك جبرائيل للعذراء المباركة مريم ومعناه "المخلص" لأنه حقا ً يخلص شعبه من خطاياهم". فالبشرية تحتاج إلى أن تنالَ نعمةَ الخلاص الإلهي وتُعتق من عبودية الخطيئة والفساد وأن تسعى في طريق حرية مجد أولاد الله.
لذلك يشرقُ علينا معنى عيد الميلاد الحقيقي أنَّ الله افتقدنا من علياء مجده، ولم يبقى بعيداً عّنا، بل اقترب من عالمنا ومن إنسانيتنا المعذّبة ليشفييها ويلسمها لمسة شفاء ويرفعها من سَقطها ومن أسرِها إلى عالم السماء الذي أتى عالمنا بمجيئ طفل الميلاد. فالإنسانية المضرجة بدمائها والمقهورة والمستعبدة والمسلوبة حقوقها وحرياتها تحتاج إلى طفل الميلاد الذي بمولده وَلَدَنا ولادةً جديدة لنعيش إنسانيتنا ونختبر مجد أودلاد الله لنسعى على الدوام في طريق الخير والسلام، فنمسحَ الدمعة من عيون المتألمين ونشفي جراح المتألمين ونخفف من آلام الناس وخوفهم.
فيخطأ من يظّن أن الميلاد هو ما ارتبط وعلق به من مباهج زينة وبابا نويل وشجرة واحتفالات، مع أن كلَّ طقوس الميلاد جميلة وتعطي لوناً مختلفاً عن كل أيام السنة، لكن الميلاد هو لحظة خشوع وتأمل أمام طفل المذوذ في أعظم محبة في الكون وهي المحبة الإلهية التي لم تبقى بعيدة عنّا بل دنت منا ولسمت حياتنا وخاطبت قلوبنا وشفَت نفوسنا وفتحت أعيننا لنرى قلب الله بوجه طفل الميلاد يسوع المسيح ونعاينَ جمال خليقته وننهض لدورنا المقدّس في هذا الوجود.
فنحن أعزاء في عيني الله ولأجلنا ولد المسيح هللويا، ولأجل خلاصنا ولأجل سعادتنا. فباقترابنا منه وهو "شمس البر" تستنير حياتُنا وتتطهر وتنطلقُ في خدمة المحبة الإلهية لجيمع الناس إذ لا فرق بين إنسان وآخر، فالكل موضوع حبّ الله واهتمامه.