هذا الوطن خُلق من ذهبٍ ومسك ، من عظام الأنبياء ودماء الشهداء ، وطن مقامات الصحابى ورفات الأولياء ، في هذا الوطن جعل الله تعالى بين كافة المنابت والأصول مودّةً ورحمة ، روابط دمٍ وعلاقاتِ أخوةٍ ومحبةٍ ، صفاتٍ مميزة ، كبرياء وشموخ وشهامة ، سلوك حضاريّ ، فكرٌ راقٍ ، عوامل بقاءنا وأسرار ثباتنا ، هي عقيدة الإيمان بالله ، تماسك الهوية الوطنية الأردنية الجامعة ، لا صراع ولا نزاع ولا خلاف ، نعيش في أمنٍ واستقرار ، يُؤرقنا ويقضّ مضاجعنا ويسبب لنا الغثيان والقلق هذا الإحتلال لأرض فلسطين ، يهدد وجودنا ، يضع رقابنا بين يديه صبح مساء ، لا يؤتمن ، ليس لهم عهدٌ ولا ذمةٌ ولا مواثيق ، هكذا يقول القرآن الكريم ، أما بالنسبة للاجئين في الأردن فهم ملحُ الأرض ، وزهر الروض والغدير العذب في صحراء الوطن .
المواطنة هي حقٌّ لكل مواطن ، كشمس الضحى ، حددها القانون ، ومنحها الدستور ، تعكس الواجبات والحقوق ، عقدٌ بين الدولة والفرد ، لا يطغى ولا يتغوّل طرفٌ على الآخر .
أمّا الهوية ، فهي مشاعرُ عاطفيةٍ ، إحساسٌ إنسانيٌّ ، نلتقي جميعاً تحتَ ظلالِ دينٍ واحدٍ ، تاريخٌ مشتركٌ ، لغةُ قرآنٍ ، بقعة جغرافية محددة ، وربما نلتقي في جذورٍ قبيلة تاريخية قديمة ممتدةٍ إلى ما قبل الإسلامِ ، لها موروثها الثقافيّ المؤثِّر ، فكانت القبيلة قديماً هي الهوية وهي الدولة ، ذات تقاليدٍ صارمةٍ ، للحفاظ على ثوابت الشرف الثلاث ، العرض – الدم – المال ، إلى أن جاء الإسلام الذي لا يعترف بالدولة القُطرية ، نابذاً ما هو جاهليّ ، من تعصب قبلي ، أو قومي ، أو وطني ، أو عرقي ، أو مذهبي ، إلى أن انتهى دور القبيلة في ظل الدولة الحديثة ، حيث لها الولاء والإنتماء ، قانوناً ودستوراً ومؤسسات وقيادة ممتدة إلى سلالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
الهوية هي المنزل الذي نقيم به ، والمواطنة بحرٌ ليس له ساحل ، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حزن أشدّ الحزن عندما أخرجه قومه من بلده وقال : (ما أطيبك من بلد ، وأحبك إليّ ، ولولا قومي أخرجوني منك ما سكنتُ غيرك) ، العلاقة بين المواطنة والهوية ، هي كالعلاقة بين العين واليد ، إذا دمعت العين مسحتها اليد ، وإذا تألمت اليد دمعت العين .