يقال ان القلب ينشد الراحة هروبا من البيات الشتوي الطويل ؛ ينشدها في الطبيعة البكر ؛ في ضحوات الايام المشمسة غدوها واصيلها ؛ ينشدها على ضفاف الجداول وعلى اكتاف الفلوات وعلى سنام الجبال ؛ وبني حميدة تشد الرحال في ميعة الربيع الى الواله مهوى افئدة القوم وموئل الاسترواح عن النفوس .
الوالة واد متتابع الاسماء ، " فسار كالشمس يغزل نورا "، بدايته من عمق البادية الى الثمد ، ثم يفضي الى الرميل ثم الى الوادي الكبير ثم الى الواله ثم الى الهيدان ثم الى الملاقي " التقاء ارنون بالهيدان " ومن ثم يذوب في البحر الميت ، " لقد زادني مسراك وجدا على وجد " ، " شرقوا غربوا وانت نزيل ظاعن في قلوبهم والتراقي " ، " وجداول كأرقام حصباؤها كبطونها وحبابها كالاظهر ، والورق تشدو والاراكة تنثني والشمس ترفل في قميص اصفر ".
الواله مكان يضرب جذوره في عمق التاريخ الى العصر البرونزي المبكر ، كان اسمها قديما " خربة اسكندر " ، نسبة الى الاسكندر المكدوني فاتح الغرب والشرق ، استظل في افياء المكان حضارات كثيرة ، وقادة عظام ، فالوالة استراحة ميشع ملك مؤاب فهي على المشارف الشماليه لعاصمة ملكه ذيبان ، واستراح بها خالد بن سعيد بن العاص في طريقه الى فتوحات الشام ، وتفيأ تحت ظلالها البطل صلاح الدين حينما حرر قلعة الكرك ، واطمأن اليها الملك الظاهر بيبرس البندقداري في غدواته وروحاته .
يقال بأن " الماء صهيل يتقد " ، وبقال ايضا " مرآة الحياة مائها وسرها الميسورا " ويبقى وادي الواله " يتدفق شلاله من علاه تلين به ارضنا القاسية " ، " نهر يهيم بحسنه من لم يهم ويجيد فيه الشعر من لم يشعر" .
حينما اطل على الوالة في روحاتي لا املك الا ان اردد مع الحادي الحميدي وهو يخاطب الورّاد على نبع الواله ويناجي روح المكان وقلب الحبيبة باهزوجته العذبة الجميلة :
" يا واردين الواله / اسقوا قعود هلاله
الاوضح المتعدي / يرجح بزين الخدي
يرجح ولا يتردِ " .
ايها الساكن في حجرات القلب ، " سرّحت أسئلتي وكان النهر فاتحة القصائد " .
يا شريان الحب في ذيبان " الاماني كؤوسها مترعات طيبات وكنت انت الساقي " .
يا فسحة الفصول " بنفسي تلك الارض ما اطيب الربى وما احسن المصطاف والمتربعا " .